كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

فقال ذكر أن في الأزمان الغابرة كانت صنوف الجن للإنس ظاهرة تتراءى بأشكال مختلفة وتنزيا بأمثال غير مؤتلفة وتظهر لهم الخيالات العجيبة والصور المموهة الغريبة فتضلهم ضلالا مبينا وتأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم شمالا ويمينا وتخاطبهم مشافهة وتوفيهم مواجهة.
ففي بعض الأيام ظهر ببلاد الشام مهبط الوحي ومهاجر الأنبياء الكرام ومحط رحال الرجال من أهل الفضل والأفضال رجل من العباد وأفراد الزهاد فاق الأقران بالصلاح وساد أهل الزمان بالورع والفلاح وحاز طرفي العلم والعمل فكمل كثيرا منهم بعدما كمل واستمر يدعو الخلق إلى خالقهم ويحثهم في الإنابة والتوكل على رازقهم ويرضونه ويرضيهم في الطاعة واتباع السنة والجماعة ويقبح الدنيا في أعينهم ويحذرهم غدراتها في مكمنها عند مأمنهم وكان لنفسه المبارك نقوش في النفوس يجذبها إلى ما يريد جذب الحديد المغناطيس ففي مدة يسيرة تبعه طوائف كثيرة وانتشر صيته إلى الآفاق وصفا للعباد وقت الطاعة وراق وضربت إليه أكباد الإبل وامتلأت به الدنيا من العلم والعمل واضطرب أمر المردة والشياطين الغندة وتعطلت أسواق الفسوق وخرج عرق المعاصي من العروق وتخملت العفاريت وتنكست أعلام الجن المصاليت وضل سبيل الضلال كل مارد خربت وبطلت زخارفهم وتموياتهم وعطلت وساوسهم وتشويهاتهم وأهانهم الناس وكسد الوسواس وفسد فعل الخناس فلما ضل سعيهم وكاد يقع نعيهم اجتمع العفاريت العتاة والشياطين

الصفحة 149