كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

الطغاة والمردة العصاة إلى إبليسهم العنيد وهو شيطان مريد صورته من أقبح الصور له أظلاف كأظلاف البقر ووجه كالتمساح وشكل كالرماح وخرطوم طويل ورأس كالفيل وعيون مشققة بالطول وأنياب كأنياب الغول وشعر كالشهيم وجلد كالأرقم وهو يلهث كالكلاب ومن ورائه عدة ذئاب فشكوا إليه حالهم وأطالوا في الشكوى قالهم وقالوا يا شيخ التلبيس وابن عم إبليس لقد عرت المدارس وبطلت منها الوساوس وتعمرت المساجد بكل راكع وساجد وقائم وقاعد وقارئ وجاهد فطرد كل شيطان مارد وتمشي سنن الحلال فوقف منا الاحتيال وأمر بالمعروف فوقعنا على الأمر المخوف وكثرت الحجاج فتقطعت منا الأوداج وأديت الزكوات والحقوق فطرد منا كل عقوق وقام الحق فنام الفسق وعبد الله في المغارات والكهوف واشتد علينا السبيل فعلى من نطوف ولم يبق لنا على بني آدم سلطة وصرنا في بحارهم أقل من نقطة وعند جهرهم بأذكارهم أذل من ضرطة لا وساوسنا تؤثر في أفكارهم ولا مجالسنا تعطل من أذكارهم ولا تخيلاتنا تتراءى لأبصار أسرارهم فإن استمر الحال على هذا المنوال لا يبقى لنا في الدنيا مقام ولا بين الجن والإنس كلام (فلما وعى) العفريت فحوى هذه الشكوى وتأمل ما في مطاويها من نازلة أحاطت بهم وبلوى اشتعلت نيران غضبه وتأججت شواظات لهبه ثم قال أمهلوني أتلوى واتركوني أتلوم وأتروى وأفتكر في هذه البلية وأكشفها عن جلية فإن الأمور لا تنتج لمعانيها ما لم يتأمل من فراغها في جوانبها ونواحيها وتحقيق المسائل إنما يوجد من محكميها وحاكميها.

الصفحة 150