كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

ومن هذا المقال يا أبا الأغوال:
واللص ليس له دليل ساتر ... نحو الذي يبغي كنوم الحارس
(والأصل) في هذا كله حسم مادتهم ورد جادّتهم وذلك بإهلاك مرشدهم وإفساد زاهدهم فان قدرنا على إهلاكه وتمزيق حبائله واشراكه تشتت شمائلهم وثبتت جلهم وقلهم (فقال) العفريت للوزير الثالث وكان أمحس عابس قل لي أيها الوزير ما سنح لك من التدبير في هذا الأمر المبير والخطب الخطير وماذا ترى فيه وتشير فقال لا شك أن الطباع تميل إلى ما تسمعه وما يلقى إلى النفس لا بد أن يؤثر موقعه وما أشار به ودبره الوزيران وهما نعم المشيران فهو لا يخلو عن فوائد بل هو متحل بعقود الفرائد وأني لاعلم أنهأثر في الخواطر كما يؤثر في الرياض السحب المواطر وبالجملة فللكلام تأثير في النفس كما تظهر آثاره الحس ولهذا ترى رقيق الشعر يفعل مالا يفعله دقيق السحر وجليل العبارة فيه من الإثارة ما يشجع الجبان وينشط الكسلان ويسخي البخيل وينجي الذليل ويسحر الأرواح ويسخر الأشباج ويعطف القلوب ويؤلف بين المحب والمحبوب ويصير العدو وصديقاً وغليظ الأحرار رقيقاً وتأمل يا بنيه ما قيل في البديه:
حديث إذا نادمت دهري انتخى ... وكف عن الايذا وعاد إلى الأخا
أذكره أخلاق مالكه الذي ... تعلم منه العلم والحلم والسخا
أنال به مالا ينال بقوة ... وأرواح أشباح أنت بعدما شمخا

الصفحة 153