كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

فلما رأى العفريت خور ذلك الصفريت وأنه نكل عن المقاومة ونكص عن المصادمة خاف أن تكون آراء الوزراء تبعاً لرأيه في عدم لقائه وظنهم مستحسنين لدهائه مستصوبين لآرائه فأرخى عنان الكلام ليقف على ما عندهم من مرام وكان عزمه المباحثه والمعابثة والتصدي للأقدام وإلقاء المسائل بحضرة الخاص والعام لكن مشى مع إمام الوزراء ليرى ما هم عليه من الآراء (فقال للوزير) نعم ما قلت أيها الوزير والرأي ما سرت من الرأي والتدبير فإن الله تعالى خلقنا من النار وطبعها الإهلاك والدمار وإحراق كل رطب ويابس وبارد وحار والظلم والخسار والإفناء والجهل والبوار وطلب الرفعة وعدم القرار وافساد ما تجده من غير فرق بين نفاع وضرار وخلقهم من تراب وإليه الأياب وطبعه الحلم والسكون والترابية والركون والعلم والعدل والإحسان والفضل ومع هذا فلو خرجوا عن مادة ما جبلوا عليه وتلبسوا بغير ما ندبوا إليه ولو أدنى الخروج ورعوا ما للمارج من مروج لتحكمنا فيهم كما نختار وللعبنا بهم كما يلعب بالكرة الصغار ونحن إذا خرجنا عن دائرة طبعنا وتخالفت أوصاف أصلنا وفرعنا ونقلنا إلى دائرة الخبر عن جادة الشر أقدام صنعنا لا يقع لنا منهم صيد ولا يؤثر لنا فيهم سيف كيد فإذ عجزنا عن الإيذاء في الظاهر لم يبق إلا الأغواء من باطن الضمائر والتعلق بأسباب ما نصل إليه من الحيل البواطن والظواهر فقد قال الحكماء وأهل التجارب ومن ابتلى من مكايد الدهر بالنواثب ومنى من ذلك بالعجائب والغرائب إذا تصدى الإنسان وقصد غريمه وعجز

الصفحة 170