كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

وفي وقت المصيف تخرج من ذلك المنزل اللطيف إلى جهة البستان فتتمشى بين الغدران وتترقى إلى أعلى الأغصان وتتمرغ في المروج والرياض وتتبخر في ظلال الدوح والغياض ثم تعود إلى وكرها وتأرز إلى حجرها وكان عيشها هيناً وأمرها رضياً ومضى على ذلك دهرها وانقضى في أرغده عيش أمرها ففي بعض الأحيان خرجت على العادة للتنزه في البستان فمر بسكنها أفعوان فرأى مكاناً مكيناً وسكنا حصيناً بالأطعمة محفوفاً وبطيب الأغذية مكنوفاً فدخله واستوطنه وترك ما سواه من الأمكنة فلما رجعت الفارة إلى مكانها المألوف وجدت به العدو الظالم العسوف فأحاط بها من الأمر المخوف مما يحصل من الذئب إذا عانق الخروف فأسرعت إلى أمها وشكت إليها نوائب غمها وما دهمها من نوازل همها فقالت أمها لا شك أنك ظلمت أحداً أو وضعت على ما ليس لك يداً أو تعديت الحدود أو عاملت مغرماً بالصدود فجوزيت بإخراجك من وطنك وإبعادك عن مقرك وسكنك ومن ظلم ضعيفاً عاجزاً سلط الله عليه قوياً لاكزا وقد رأيت يا أنسي في حديث قدسي اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصر أغيري فلا تطيلي الكلام ولا تتصوري أنك ترجعين إلى مالك من مقام ولا طاقة لك على مقاومة الثعبان فدعى تعب الخاطر واطلبي لك مأوى غير هذا المكان فتوجهت إلى ملك الفار والجرذان وشكت ما بها من ذلك الشيطان وقالت أنا في خدمتك ومعدودة من رعيتك

الصفحة 172