كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

وذهبت وسلكت طريقها وانقلبت وأنشدت فأرشدت:
أبعين مقتفر إليك نظرتني ... فحقرتني وقد فتني من خالق
لست الملوك أنا الملوك لأنني ... أنزلت آمالي بغير الخالق
ثم غاصت في بحر الفكر وتشبثت بأذيال المكر واستعرضت على مرآة أفكارها وجوه الحيل واستورت من زناد آرائها سرر النظر في الجدل وأخذت تطوف في أكناف البستان فعثرت في طوافها على ذلك الأفعوان نائماً تحت ورده متطوقاً في أهنى رقدة فرقت غصناً من الأغصان فلاح لها الباغيان قد سقى البستان وهو تعبان متكئاً في الرياض على مسكبة ريحان فاغتنمت الفرصة ونزلت إليه وقربت منه ودارت حواليه ثم وثبت على وجهه وكان نائماً فانتهض مرعوباً قائماً فذهبت واختفت وبذا القدر اكتفت فرجع ونام وغرق في المنام فدخلت في قميصه ورقصت فاستيقظ متعجباً منزعجاً فرآها فهربت ونكصت ثم عاد وأتكا بعدما وغضب وانتكى فوثبت على وجهه وأدخلت ذنبها في أنفه فنهض مستيقظاً مجداً فرآها واقفة لا تتعدى فقصدها فهربت ثم رجع فآبت وأتت فنام في مسنده فقربت منه وعضته في يده فانكته وآلمته وهجته بما أضرمته فطفر من مرقده وأخذ غصناً بيده وقصدها وقد ذاق نكدها فهربت غير بعيد فرأى وجهها من حديد فتبعها فمشت ثم وقفت وارتعشت تطمعه في صيدها وهو غافل عن كيدها فتبعها وهي قائده حتى انتهت به إلى الحية الراقدة فعندما رأى الثعبان نسي أفعال بنت الجرذان فقتل تلك الأفعى ولم يخب للفأرة مسعى (وإنما أوردت) هذه الحكاية لتقفوا منها على طريق النكاية وليعلم الضعيف إذا كان له أعدا كيف يوقعهم في مصايد الردى وإذا استعمل اللبيب العقل المصيب والفكر النجيب وساعده في ذلك قضاء وقدر نال ما أمل وأمن ما حذر وأفلح أمره ونجح فكره وهذا إذا كان الضعيف

الصفحة 175