كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

فلما أحس بحرارة النار وظهر على وجهه الاحمرار صار يتلمظ ويتحلى ولسانه من الحر والدف تدلى فلمحه الضيف وهو يتثائب فتمطى قائم رمحه ونحوه قام وتصاوب وقد قيل في الأقاويل عضوان متعاونان وهما اليدان وعضوان مختلفان وهما الرجلان وعضوان متتابعان وهما العينان وعضوان متصاحبان وهما اليد والفم وعضوان متباغضان وهما الأست والأنف وعضوان متوافقان وهما العين والأبر وكان الضيف يسارقه النظر وبترشف شفاهه بلسان الفكر ويود في مطالعة جبينه لو أتبع العين بالأثر وجعل يتغنى ويترنم ويهيم بما يتكلم:
ليس في العاشقين أقنع مني ... أنا أرضى بنظرة من بعيد
فتنبه أمام هواء الهاجد وجعل يقوم ويقع وهو راكع ساجد ويسلم على محرابه أحسن التحيات ويتشهد رافعاً إصبعه بالسلام والصلوات ثم غلبته الحيرة فاخذ يجلد عميره فنظر صاحب البيت فرأى الضيف غارقا في ذيت وذيت مشغولاً بكيت وكيت متأملاً معنى هذا البيت:
وعند الملتقى انكشف المغطى ... تثاءب كسها أيرى تمطى
فأراد أن ينبه ربة البيدار على هذا العثار لتستر حالها وتغطي مالها بطريقة لا يؤبه إليها ولا يقف ضيفها عليها فمد يده إلى سفود وحرك به

الصفحة 177