كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

(فقال) ذكر أن حكيماً من العلماء وعالماً من الحكماء أولع بضبط مكر النساء وشرع في تدوينه صباحاً ومساءً وصار يجول البلدان ويطالع لذلك على كل ديوان ويكتب ما يكون وما كان ويحرر من ذلك الأوزان بالمكيال والميزان فنزل في بعض الآناء على حي من الأحياء فصادف ذلك التعس بنت الرئيس فتلقته امرأة ظريفة ذات شمائل لطيفة وحركات رشيقة خفيفة وقابلته بالترحاب وفتحت للدخول الباب فاقبل عليها وترامي لديها فأنزلته في صدر البيت وأخذت معه في كيت وكيت كأنها معرفة قديمة وحديثة كريمة وكان زوجها غائباً قد قصد جانباً فشرعت في نزل الضيف لئلا تنسب إلى بخل وحيف فأخذ يطالع في ديوانه ويسرح سوائم طرفه في ظرف بستانه يشغل أوقاته ويتفكر ما فاته ليتعاطى إثباته فقالت له ضرة الريم ما هذا الكتاب العظيم أيها الفاضل الحكيم فقال شيء صنعته وكتاب ألفته وهو في الغربة أنيسي وفي الوحدة جليسي فقالت يا ذا الحكم والحلم ما فيه من فنون العلم فقال سر مصون وأمر مخزون ودر مكنون لا يجوز إبداؤه ولا يحل إفشاؤه فقالت يا ذا الشكل الظريف والصوف اللطيف والعلم المنيف هذا التعريف لا يليق بالتصنيف فإن فائدة التصنيف الاشتهار وثمرة العلم الانتشار ودونك ما قاله الكئيب في مخاطبة الحبيب:
أذقني من رضابك يا حبيبي ... فما للشهد دون الذوق لذة
وما أخذ الله على الجهال أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء أن أن يعلموا

الصفحة 182