كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

فقالت: حبيت وحييت لا تستح واصنع ما شئت فحركت بهذا الكلام العابث من الشيخ الحكيم الرمح الثالث فمد إليها يد الفاجر العائث وذهب لب ذلك الرجل الحازم، وراودها مراودة العازم الجازم، وصارت تلك اللاعة بين الأطماع والمناعة تنثني وتنقصف فتارة تتثقف وأخرى تتخسف وبينما هما في المجاذبة جاء زوجي وهو عنيف عنيد فسلب الفرار وطلب الغرار ووقع ذلك الحكيم النبيه في فتنة فيها الحليم سفيه ودهمه ما هو أهم مما هو فيه من دواهي العشق ودواعيه ونسى العشق والعشيق وطلب الخلاص من المضيق وأظهر صورة حاله ما عناه الشاعر في قاله:
سألت مجربا طبا عليما ... خبير بالوقائع مستعاذا
وقلت الشهد أحلى أم رضاب ... أم النيك الذي للروح حاذي
فقال وحق ربي النفس أولى ... إذا جر الجزا هذا وهذا
واشتغل الحكيم بنفسه وخاف حلول رمسه وكان في طرف البيت صندوق مقفل عليه ستر مسبل ففتحت له الصندوق ورعت له بإخفائه عن زوجها الحفوق وأمرته بولوجه ليكفي من زوجها شر خروجه فشكر لها صنعها وامتثل وانسل إلى ذلك اللحد الضيق فأقفلت عليه أغلاقه وأحكمت وثاقه ثم تلقت زوجها بالترحاب ودخلت معه في الأطعمة من كل باب وقدمت له ما أكل وانسدحت له فركب ووكل

الصفحة 186