كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

مهاوي الأهواء والحرب بيننا وبينهم سجال فلو كاشفناهم بسوء الفعال انكشف لهم زيف نقدنا وبطل ما كنا نسوله بجهدنا فإذا ظهر الحق من الباطل وتميز الحالي من العاطل أخذوا حذرهم وضبطوا أمرهم وداروا بالعداوة ومروا بالملوحة من الحلاوة ثم ظفرنا بهم موهوم ونصرنا عليهم غير معلوم فما نظفر إلا بالندامة ونرضى إذ ذاك بغنيمة السلامة ويستمر هذا العار علينا إلى يوم القيامة وقد قيل:
لا تسع في الأمر حتى تستعد له ... سعي بلا عدة قوس بلا وبر
فعند ذلك استشاط العفريت غضباً وطار شراراً لهذا الاشتعال ولهباً، وقال: لقد عظمتم من شأن الإنسان وأوهنتم بل أهنتم جانب إخوانكم الجان وضيعتم حقوق الإخوان وأبطلتم حكاية السعالى والغيلان ونسيتم فتن جدكم الأعلى الباقية على ممر الزمان ونحن أدق حيلة، وأجل جماعة وقبيلة، وأوسع ذكراً وأسرع مكراً وأقدم وجوداً، وأعظم جنوداً، وأغزر علماً، وإدراكاً وفهماً، ولا أرى لكم همة صادقة ولا عزيمة موافقة وأنا ما قلت لكم ما تقدم من القول إلا لأخبر ما في فرائض علمكم من الرد والعول فلا أقوالكم سديدة ولا أفعالكم رشيدة، ولقد حل بكم الصغار وسطا بكم من الأنس الصغار وأما أنا فلا بد لي من المباحثة والمناقشة والمنابثة والإلقاء للمسائل والأبحاث في الرسائل من غير وسائط ولا وسائل ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينه فأعلموا ذلك وتحققوه ثم أمعنوا النظر فيه ودققوه وهذا هو الرأي الذي الذي صممت عليه فليتوجه كل منكم بقلبه وقالبه إليه ويقل في ذلك غثه وسمينه ويلق هجان قوله وهجينه ولا يدخر شيئاً من آرائه فلا بد لي من إلقائه

الصفحة 189