كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

وبالجملة والتفصيل أنا شيخ التكفير والتضليل، وتلك صنعتي من الابتداء، وحرفتي إلى الانتهاء، ثم إنك نبعت في هذا الزمان، وظهرت في هذا المكان، تريد أن تهدم ما بنيته، وتعوج بصلاحك ما بفسادي سويته، وترد كلامي وتعاكسني في مرامي، وأنا كنت في قديم الزمان، من قبل أن توجد أنت في هذا المكان ناديت بين بنيه وشهرت في ذوقه قولي:
كلوا واشربوا وازنوا ولوطوا وقامروا ... وهيا اسرقوا وخوضوا والدما جهرا
ولا تتركوا شيئاً من الفسق مهملا ... مصيركم عندي إلى الجنة الحمرا
وكانوا قد سمعوا وأجابوا وأطاعوا وأنابوا وشملي بهم منتظم، وأمري بتفريق كلمتهم ملتئم، وأسهم مرامي المشومة نافذة في المشارق والمغارب، وسيوف مناشري المسمومة قاطعة في الأعاجم والأعارب، كم لي في الأطراف والآفاق والاكناف من قاض ونائب ومانع من الخير حاجب وأمير وصاحب، ووزير وكاتب، ومشير وحاسب، وجليس ونديم، وتابع وخديم، وناظر وعامل، وناقص وكامل، وكم لي من جابي منوط بتفريق قلوبهم وجمع سويدائها إلى بابي، وكم لي في المدارس ذو وساوس، وفي الجوامع والبيع والصوامع من مذكر وواعظ وإمام وحافظ، ومقرئ وعابد، وشيخ وزاهد، وكم لي في الزوايا من خبايا، وفي أصحاب الروايات من درايات، وفقيه في النادي فاق الحاضر والبادي، يعلم في الشيطنة أولادي، وفي البيلسة حفدتي وأجنادي، وأما سائر الفساق في الآفاق، وسكان الأسواق، وقطان الجبال والرستاق، ورجال الحاري والأوراق، فكلهم لي عشاق وإلى ديني مشتاق، وسل عني أرباب الحانات، وسكان الخانات، وبالجملة غالب الطوائف وأرباب الوظائف على باب خدمتي واقف، وعلى طاعة مراسيمي ليلاً ونهاراً عاكف، مناي مناهم، ورضاي رضاهم، وأن خالف بعض سري نجواهم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل

الصفحة 196