كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

ما هم، وأنت الآن جئت برايتك وسالوسك، وطامتك وناموسك تبدد عني عساكري، وتشرد من بني الأنس عشائري، وتشتت جموعي، وتخلي من الفسق والفساق ربوعي، من غير أن تشاورني، ولا تخبرني ولا تحاورني، ولا تبحث معي، ولا تناظرني، وهاأنا قد جئت إليك، ونزلت كالقضاء المبرم عليك، أريد أن أناظرك في أنواع من العلوم، وأسألك عن حقائقها من طريق المنطوق والمفهوم بحضرة من الجن والأنس، وسائر نوع الحيوان والجنس، فيظهر إذ ذاك جهلك فينبذك قومك وأهلك، ويتركك معتقدوك، ويتراجع عنك مريدوك، وأفسد بين العالم صيتك وأتلفه فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه.
فلما وصل رسول العفريت الكافر الصفريت إلى الشيخ العاد والعالم الزاهد الجاهد المجاهد فعندما وقع نظر الشيخ عليه ووصلت سهام لحظاته إليه، كاد أن يذوب مالملح، وأن لا يقوم الفساد للصلح، فبهت الذي كفر، وأخذته الدهشة والخور، وغلب عليه الانبهار وكاد يحترق من الأنوار، واستولى عليه الرجيف، وسقط من الوجيف، فما أبدى ولا أعاد ولا قام للصلاح ذلك الفساد. فقال له الشيخ مالك: وما أحالك وغير حالك؟ وما موجب دخولك علي وأنت غير منسوب إليّ؟ فقال: كف عني أنوارك واطوعني أسرارك حتى أقول فإني رسول فمالي طاقة برؤيتك ولا سواغوما على الرسول إلا البلاغ.

الصفحة 197