كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

خير من العدو العاقل فإن علم العدو العاقل خير لك من جهل الصديق الجاهل فقال ابن آوى ما أحلى كلامك وأعلى في اللطف مقامك وأنزه منادمتك وأفكه مكالمتك بالله شنف المسامع فإني لك بقلبي وجوارحي سامع فقال مهلا حتى أتذكرها وأتصورها كما ينبغي وأتفكرها أمر ابن آوى على تعسه وساقه القضاء إلى رمسه فوصل إلى الضيعة وقد وقع ابن آوى في ضيعة فالح على الحمار فقال أخبرني فما بقي لي اصطباري فقال قال لي أبى بكلام فصيح عربي لا تجعل مقامك ومقيلك بمكان يكون فيه ابن آوى دليلك والذب فيه جارك وخليلك وأن جعلت لك في هذا المكان ساحه فما ترى يكون لك فيه من الراحة وأن أردت أن تخلص من هذا المكان فانصب الآذان وارفع ذكر الله بالأذان فانه ينجيك من الضيق ثم رفع عقيرته بالنهيق فسمعه معارفه من الكلاب فسارت إليه مستبشرة بحسن الإياب وسارعت إليه واجتمعت حواليه فما شعر ابن آوى إلا وهو متورط في البلوى فطفر للهرب فادركه من الكلاب الطلب فاحتموشته وانتوشته واختطفته واقتطفته ووزعته ومزعته ومرشته وقرشته فلم تبق منه عيناً ولا أثر واذهب دمه في تدبير هدراً وإنما أوردت هذا المثال وعرضته على الرأي العال ليعلم أن الاغترار بالكلام والإصغاء إلى الحكايات والقول البطال من غير تنقل من ألفاظها إلى معانيها وتأمل في مآكل مقاصدها وفحاويها والأعتماد على القضايا المزخرفة والركون إلى الأمور المسفسفة لا يفيد سوى الندم وزلة القدم

الصفحة 70