كتاب فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء

الإمكان ما قدر من الزاد وألما والمركب والكلا ونور الطريق والمسافر والرفيق والخادم والأنيس والمنادم والجليس ويمهد المضجع للمبيت ويهيئ والمقيل ويهيئ الموضع في النزول والرحيل وبالجملة لا يترك من أفعال الخير شيئاً إلا فعله ولا مجملاً إلا فصله ولا متأخر إلا قدمه ولا معاملاً في مبايعة إلا أسلفه وأسلمه وليعلم أن كل ذلك محتاج إليه ومصروف لديه إذا نقل إلى دار البقاء وأقبل عليه فإذا جاء وقت الرحيل ونادى منادي الانتقال والتحويل وجد ما كان في عمله حاضراً وكل ما قدمه إلى رياض الخير نزها ناضراً كما قال ذو الجلال وأخبر به الصادق في الوعد والمقال أن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون معنى أن لا تخافوا لا خوف عليكم فيما هو أمامكم ولا تحزنوا على ما خلفتم وراءكم فإذا دخل في قبره وجده روضته من رياض الجنة يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم وأما الشقي الغافل الغبي الذي أمهل أمره ونسي الله وذكره وأهمل ما خلق لأجله وتاه في بيداء الضلال وسبله فقد اغتر بهذه اللذة اليسيرة في تلك المدة القصيرة واستمر سكران في ميدان العصيان من خمرة الطغيان وتردى لباس الردى أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فانهدمت عمارتهم ولا ربحت تجارتهم حتى إذا جاءه الوقت المعلوم ونزل به الأجل المحتوم ونظر أمام وتراءت الأعلام فإما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم نزل من دار الغرور إلى دار الشرور فندم ولا ينفعه الندم وقد زلت به القدم فخاب مآبا وقال يا ليتني كنت تراباً فانظروا يا أولادي وعدتي وعتادي حال الفريقين وتأملوا ما للطائفتين فقد بذلت في النصيحة جهدي وأستخلف الله عليكم من بعدي

الصفحة 89