كتاب مختصر تلخيص الذهبي (اسم الجزء: 1)

ثم لم تزل العناية بجمع السنة وحفظها موضع اهتمام الصحابة -رضي الله عنهم-، إلى أن بلغ الأمر ببعضهم إلى أن يرحل من المدينة إلى مصر في طلب حديث واحد.
قال عطاء بن أبي رباح: خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر وهو بمصر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لم يبق أحد سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غيره، وغير عقبة. فلما قدم أتى منزل مسلمة بن مخلَّد الأنصاري، وهو أمير مصر، فأخبر به، فعجّل، فخرج إليه، فعانقه، ثم قال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لم يبق أحد سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غيري، وغير عقبة، فابعث من يدلّني على منزله، قال: فبعث معه من يدلّه على منزل عقبة، فأخبر عقبة به، فعجّل، فخرج إليه، فعانقه، وقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لم يبق أحد سمعه غيري، وغيرك، في ستر المؤمن، قال عقبة: نعم، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من ستر مؤمناً في الدنيا على خزية ستره الله يوم القيامة"، فقال له أبو أيوب: صدقت، ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته، فركبها راجعاً إلى المدينة، فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد، إلا بعريش مصر (¬1).
وزاد من حرص الصحابة -رضي الله عنهم- ظهور تلك الفرق في عصرهم، وقد اتّخذت سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مطيّة لتحقيق أهدافها، ومآربها، فتأصل لديهم مبدأ التثبّت في تلقّي السنة.
قال مجاهد: جاء بُشَيْر العدوي إلى ابن عباس، فجعل يحدث، ويقول:
¬__________
ـ
(¬1) أخرجه الحميدي في مسنده (1/ 89 - 190 رقم 384)، وأحمد في مسنده (4/ 153
و159)، والخطيب في "الرحلة في طلب الحديث" (ص 118 - 124 رقم 34 و 35
و36 و 37 و 38).

الصفحة 12