كتاب مختصر تلخيص الذهبي (اسم الجزء: 1)

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس، ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدّثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا تسمع؟! فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ابْتَدَرَتْه أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب، والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف (¬1).
ثم تأثر بهذا المبدأ التابعون، ونشأ علم الجرح والتعديل، وهكذا لم يزل السلف من الصحابة فمن بعدهم يولون السنة هذا الاهتمام، فحفظ الله بهم الدين، وميّزوا بين الغث والسمين، فانطلق جهابذة العلماء، ونقّاد الحديث إلى تبيين صحيح الأحاديث من سقيمها، ونقد أسانيدها ومتونها، وهم جمع لا يحصون كثرة، ومن أشهرهم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري -رحمهما الله-، فسارعا إلى تدوين بعض ما صح لديهما من الأحاديث، ولم يستوعبا جميع الصحيح.
قال البخاري -رحمه الله-: "لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحاً، وما تركت من الصحيح أكثر"، وفي رواية: "ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحيح حتى لا يطول" (¬2).
وسأل أبو بكر ابن أخت أبي النّضْر الِإمام مسلماً عن حديث
أبي هريرة: "وإذا قرأ (يعني الِإمام) فأنصتوا"، فقال: هو عندي صحيح، فقال: لِمَ لَمْ تضعه ههنا؟ (يعني في الصحيح)، قال: "ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه" (¬3).
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه (1/ 13)، وابن ماجه (1/ 12 رقم 27) في المقدمة، باب التوقّي في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واللفظ لمسلم.
(¬2) هدي الساري (ص 7).
(¬3) صحيح مسلم (1/ 304 رقم 63) في الصلاة، باب التشهد في الصلاة.

الصفحة 13