كتاب السنة للمروزي

351 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنْبَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَشِبْلٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا: §رَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْلِدْ

352 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ امْرَأَةَ الرَّجُلِ وَمَاعِزًا بَعْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى الثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ؟، قِيلَ: إِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا عَنِّي فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ أَوَّلَ حَدِّ الزَّانِيَيْنِ وَإِذَا كَانَ أَوَّلًا فَكُلُّ حَدٍّ جَاءَ بَالِغُهُ، فَالْعِلْمُ يُحيطُ أَنَّهُ بَعْدَهُ وَالَّذِي بَعْدَهُ يَنْسَخُ مَا قَبْلَهُ إِذَا كَانَ يُخَالِفُهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْفُتْيَا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ أَنَّ عَلَى الزَّانِي الْبِكْرِ الَّذِي لَمْ يُحْصَنْ جَلْدَ مِائَةٍ وَنَفْيَ سَنَةٍ، وَعَلَى الثَّيِّبِ الَّذِي قَدْ أُحْصِنَ الرَّجْمَ وَلَا جَلْدَ عَلَيْهِ، فَمَنُ عَرَفَ مِنْهُمْ حَدِيثَ عُبَادَةَ وَثَبَتَهُ زَعَمَ أَنَّهُ جَلَدَ الزَّانِيَيْنِ الْبِكْرَيْنِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَنَفَاهُمَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاحْتَجَّ فِي نَفْيِهِ إِيَّاهُمَا بِحَدِيثِ عُبَادَةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ فِي النَّفْيِ، وَأَنَّهُ أَسْقَطَ الْجَلْدَ عَنِ الثَّيِّبَيْنِ وَأَثْبَتَ عَلَيْهِمَا الرَّجْمَ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الشَّافِعِيُّ، وَجَعَلَ الْجَلْدَ مَنْسُوخًا عَنِ الثَّيِّبَيْنِ بِالسُّنَّةِ

353 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَقَدْ أَثْبَتَ الشَّافِعيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَسْخَ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْجَلْدَ مَعَ النَّفْيِ عَلَى الْبِكْرَيْنِ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ فِي جَلْدِ الزَّانِيَيْنِ الْجَلْدُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّفْيُ بِالسُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ أَثْبَتَ الْجَلْدَ مَعَ الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبَيْنِ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ: الْجَلْدُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالرَّجْمُ بِالسُّنَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ حَدِّ الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ رَفَعَ الْجَلْدَ عَنِ الثَّيِّبَيْنِ وَأَثْبَتَ عَلَيْهَا الرَّجْمَ، فَأَقَرَّ بِأَنَّ الْجَلْدَ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا عَلَى الثَّيِّبَيْنِ بِكِتَابِ اللَّهِ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ قَدْ رَفَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَصَارَ الْجَلْدُ عَنْهُمَا مَنْسُوخًا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا بِحَمْدِ اللَّهِ وَاضِحٌ غَيْرُ مُشْكِلٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفوَا حَدِيثَ عُبَادَةَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْآيَةِ أَحَدَ قَوْلَيْنِ، - كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} - مَنْ أَجَازَ مِنْهُمْ نَسْخَ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ جَعَلَ بَعْضَ الْآيَةِ مَنْسُوخًا بِالسُّنَّةِ، وَبَاقِيَهَا مُحْكَمٌ، وَجَعَلَهَا الْفَرِيقُ الْآخَرُ مِنَ الْعَامِّ -[98]- الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، فَقَالُوا: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} [النور: 2] الْبِكْرَيْنِ غَيْرَ الْمُحْصَنَتَيْنِ دُونَ الثَّيِّبَيْنِ الْمُحَصَنَيْنِ، هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا وَقُرْبِهِ إِلَى إِيجَابِ الْعَمَلِ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ عَلَى وَجْهِهِ فَأَوْجَبُوا عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْبِكْرَيْنِ جَلْدَ مِائَةً بِكِتَابِ اللَّهِ وَنَفْيَ سَنَةٍ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَوْجَبُوا عَلَى الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ الْجَلْدَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَالرَّجْمَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: قد عَمِلَ بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَفْتَى بِهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَقَالُوا: لَيْسَ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى إِسْقَاطِ الْجَلْدِ عَنِ الثَّيِّبَيْنِ دَلِيلُ نَصٍّ يُوجِبُ رَفْعَ الْجَلْدِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرٌ لِلْجَلْدِ بِوَاحِدَةٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُمَا وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ، وَلَعَلَّهُمْ إِنَّمَا اختَصُروَا ذِكْرَهُ مِنَ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوَا الْجَلْدَ ثَابِتًا عَلَى الزَّانِيَيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاسْتَغْنَوْا بِكِتَابِ اللَّهِ عَنْ ذِكْرِهِ فِي السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الرَّجْمَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ ذِكْرٌ؛ لِيَنْتَشِرَ ذِكْرُهْ فِي النَّاسِ وَيَشِيعَ فِي الْعَامَّةِ؛ فَيَعْلَمُوا أَنَّهُ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُمْكِنُهُمْ إِنكَارُهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أنْكَرَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ

الصفحة 97