كتاب شرح شواهد المغني (اسم الجزء: 1)

النسيب، وله من فنون الشعر ما ليس لجميل. وكان جميل صادق الصبابة والعشق، وكان كثير يقول (¬1) ولم يكن عاشقا، وكان راوية جميل.
واخرج ابن عساكر من طريق الصولي، حدثنا محمد بن يزيد، حدّثنا ابن عائشة حدّثني أبي حدّثني رجل من بني عامر بن لؤي، ما رأيت بالحجاز أعلم منه، قال: حدّثني كثير أنه وقف على جماعة يفيضون فيه وفي جميل أيهما أصدق عشقا، ولم يكونوا يعرفونه بوجهه، ففضلوا جميلا في عشقه؛ قال: فقلت لهم: ظلمتم كثيرا، كيف يكون جميل أصدق عشقا من كثير، وإنما أتاه عن بثينة ما يكره فقال (¬2):
رمى الله في عيني بثينة بالقذى! … وفي الغرّ من أنيابها بالقوادح
وكثير أتاه عن عزة ما يكره فقال (¬3):
هنيئا مريئا غير داء مخامر … لعزّة من أعراضنا ما استحلّت
فما انصرفوا إلّا على تفضيلي.
وأخرج ابن عساكر عن العتبي قال (¬4): كان عبد الملك بن مروان يحب النظر الى
¬__________
(¬1) في الطبقات: (يتقوّل).
(¬2) الامالي 2/ 109 واللآلي 736، والموشح 199 ومصاع العشاق 61، والخزانة 2/ 379 و 3/ 94.
(¬3) ديوانه 49، وزهر الآداب 354، والموشح 199.
(¬4) الخبر في الأمالي 1/ 46 - 47 بلفظ: (.. دخل كثير على عبد الملك ابن مروان رحمه الله، فقال عبد الملك بن مروان: أأنت كثير عزة؟
قال: نعم، قال: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال: يا أمير المؤمنين، كل عند محله رحب الفناء، شامخ البناء، عالي السناء، ثم أنشأ يقول:
ترى الرجل النحيف فتزدريه … وفي أثوابه أسد هصور
ويعجبك الطرير إذا تراه … فيخلف ظنك الرجل الطرير
بغاث الطير أطولها رقابا … ولم تطل البزاة ولا الصقور
خشاش الطير أكثرها فراخا … وأم الصقر مقلات نزور
ضعاف الأسد أكثرها زئيرا … وأصرمها اللواتي لا تزير
وقد عظم البعير بغير لب … فلم يستغن بالعظم البعير
ينوّخ ثم يضرب بالهراوي … فلا عرف لديه ولا نكير
يقوّده الصبي بكل أرض … وينحره على الدّرب الصغير
فما عظم الرجال لهم بزين … ولكن زينهم كرم وخير
فقال عبد الملك: لله دره، ما أفصح لسانه، وأضبط جنانه، وأطول عنانه! والله إني لأظنه كما وصف نفسه.

الصفحة 66