كتاب الرسل والرسالات

فذكروني " (¬1) قال هذا بعد نسيانه في إحدى الصلوات.
أمّا الحديث الذي يروى بلفظ: " إني لا أنسى، ولكن أُنسَّى لأسنّ " فلا يجوز أن يعارض به الحديث السابق، لأنّ هذا الحديث - كما يقول ابن حجر - لا أصل له، فإنّه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد (¬2) .
المبحث الثالث
مدى العصمة في إصابة الحق في القضاء
الأنبياء والرسل يجتهدون في حكم ما يعرض عليهم من وقائع، ويحكمون وفق ما يبدو لهم، فهم لا يعلمون الغيب، وقد يخطئون في إصابة الحق، فمن ذلك عدم إصابة نبي الله داود في الحكم، وتوفيق الله لابنه سليمان في تلك المسألة.
فعن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنّما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنّما ذهب بابنك، فتحاكمنا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود، فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقّه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى " (¬3) .
وقد وضح الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القضية وجلاّها، فقد روت أمُّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم، فقال: " إنّما أنا بشر، وإنّه يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صدق، فأقضى له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها " (¬4) .
¬_________
(¬1) رواه الجماعة إلاّ الترمذي (نيل الأوطار: 3/125) .
(¬2) نيل الأوطار: 3/117.
(¬3) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: (ووهبنا لداوود سليمان) [ص: 30] حديث رقم: 2428.
(¬4) رواه البخاري، كتاب المظالم، باب إثم من خاصم في الباطل ورقمه: 2458، ورواه مسلم: 1713.

الصفحة 102