كتاب الرسل والرسالات

وروى الدارمي عن عطاء عن ابن سلام ونحوه (¬1) وعن كعب - وهو من علماء اليهود الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم - قال: " نجد مكتوباً في التوراة محمد رسول الله عبدي المختار، لا فظٌّ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة، وهجرته بطيبة، وملكه بالشام، وأمته الحمّادون، يحمدون الله في السراء والضراء، يحمدون الله في كلّ منزلة، ويكبرونه على كل شرف، رعاة للشمس، يصلُّون الصلاة إذا جاء وقتها، يتأزرون على أنصافهم، ويتوضؤون على أطرافهم، مناديهم ينادي في جوّ السماء، صفهم في القتال، وصفهم في الصلاة سواء، لهم بالليل دويٌّ كدوي النحل " قال التبريزي: هذا لفظ المصابيح، ورواه الدارمي مع تغيير (¬2) يسير.
أين هذه البشارة في التوراة:
وهذه البشارة ليست موجودة في التوراة المنتشرة اليوم بين اليهود والنصارى، فإن كان المراد بالتوراة التوراة المعينة فتكون هذه البشارة مما أخفته اليهود، وقد تكون مخفية عندهم مما لا يطلع عليه إلاّ أحبارهم (¬3) ، إلاّ أنه قد تطلق التوراة ولا يراد بها توراة موسى، بل يراد بها الكتب المنزلة من عند الله، وقد يطلق على
¬_________
(¬1) مشكاة المصابيح: 3/125.
(¬2) مشكاة المصابيح: 3/129.
(¬3) الذي يظهر لنا أنه كان حتى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم نسخ غير محرفة من التوراة والإنجيل بدلالة قوله تعالى: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فِيهِ) [المائدة: 47] وقوله: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ) [المائدة: 43] ، وقوله: (لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ) [المائدة: 68] . فقد كانت هناك نسخ كثيرة محرفة وبعض النسخ لم يصبها التحريف، ولكن اليهود كانوا يخفونها، ولعلّ بعضاً من هذه النسخ لا تزال إلى يومنا يخفيها بعض علماء اليهود والنصارى، ويذكر صاحب كتاب ((محمد نبي الإسلام)) ص (46) نقلاً عن مجلة ((الأيكونومست)) البريطانية أن أول عمل يؤديه المرشح لوظيفة في (الكوريا) أي الإدارية المركزية للكنيسة الكاثولوكية هو أن يقسم اليمين المقدسة على كتمان كل شيء يصل إلى علمه أو يقع تحت بصره، من معلومات خصوصاً عن ثروة الكنيسة ومواردها إلى جانب ما يملكه الفاتيكان من تحف وثروة فنية تعتبر من أثمن الثروات في العالم. ولا شك أن عبارة ثروة فنية تشمل مكتبة الفاتيكان الضخمة بما تحويه من كتب في الديانة المسيحية لو تركت للبحث العلمي الحر لألقت أضواءً لامعة على حقبة مجهولة من تاريخ المسيحية في قرونها الأولى المظلمة.

الصفحة 190