كتاب الرسل والرسالات

النظر في أحوال الأنبياء
إذا شئت أن تسبر غور إنسان، وتتعرف على صدقه وأمانته، فإنّك تنظر في قسمات وجهه، وتحصي عليه أفعاله وأقواله، وتراقب حركاته وسكناته، والذين يستغلق عليك أن تصل في شأنهم إلى اليقين هم أولئك الذين لا تقابلهم إلا مقابلة سريعة، أو أولئك الذين يخفون أنفسهم، ويتكلفون في أقوالهم وأفعالهم فلا يظهرون على طبيعتهم.
والأنبياء والرسل كانوا يخالطون أقوامهم، ويجالسونهم ويعاشرونهم، ويعاملونهم في أمور شتى، وبذلك يتسنى للناس أن يدرسوهم عن كثب، ويتعرفوا إليهم عن قرب، ولقد كانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته بالأمين، وذلك لصدقه وأمانته، وعندما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم في مطلع الدعوة: " لو أخبرتكم أنّ وراء هذا الوادي خيلاً تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً " (¬1) .
وقد أرشد القرآن إلى هذا النوع من الاستدلال (قُل لَّوْ شَاء اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) [يونس: 16] .
يقول لهم: لقد مكثت فيكم زمناً ليس باليسير قبل أن أخبركم بأنني نبي، فكيف كانت سيرتي فيكم؟ وكيف كان صدقي إيّاكم؟ أفأترك الكذب على الناس، وأكذب على ربّ الناس، (أفلا تعقلون) ؟ ألا تعملون عقولكم لتتهديكم إلى الحق؟! .
¬_________
(¬1) رواه البخاري: (4770) ، ومسلم: (208) (355) من حديث ابن عباس. وانظر ((جامع الأصول)) : 2/286-288 (739) .

الصفحة 197