كتاب الرسل والرسالات

تأييد الله لرسُله ونصرته لهم
ومما يدلنا على صدق الأنبياء والمرسلين نصرة الله لهم وحفظه إياهم، فإنّه يستحيل على الله تعالى أن يتقول عليه متقول، فيدعي أنّه مرسل من عند الله وهو كاذب في دعواه، ثمّ بعد ذلك يؤيده الله وينصره، ويرسل الملائكة لتثبيته وحمايته، لو فعل هذا ملك من ملوك الأرض، فادعى مدع أنّه مرسل من قبله كذباً وزوراً، وعلم بذلك الملك المفترى عليه، فإنّه سيلاحقه، وإذا ظفر به فسيوقع به أشدَّ العذاب، فكيف يليق بخالق الكون العليم الحكيم أن يرى ويسمع رجلاً يكذب عليه، ويزعم أنّه رسوله، ويحلل باسمه ويحرم، ويشرع الشرائع، ويضرب الرقاب، ويزعم أنه يفعل ذلك بأمر الله وبرضاه ومشيئته، ثم يؤيده الله وينصره، ولا يوقع به عقابه وعذابه؟ هذا لا يكون أبداً، وإن وقع مثل هذا من كاذب مارق وظهر أمره، وقويت شوكته يوماً، فلن يطول ذلك، ولا بدَّ أن يكشف الله أمره، ويهتك ستره، ويسلط عليه من يقهره، ويجعله عبرة لغيره، كما فعل الله بمسيلمة وسجاح والأسود العنسي من قبل (¬1) .
وقد أشار الله تعالى لهذا النوع من الاستدلال فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) [النحل: 116] فحكم عليهم بعدم الفلاح، وقال: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ - لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ - ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ
¬_________
(¬1) راجع شرح العقيدة الطحاوية: ص 165-167 وقد استدل بشيء قريب من هذا ابن القيم في كتابه هداية الحيارى انظر الجامع: (ص562) .

الصفحة 204