كتاب الرسل والرسالات

وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ - وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 83-86] .
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه: " ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر " (¬1) .
ويؤخذ من الحديث أن الأنبياء والمرسلين أفضل الخلق، وأنّ أفضل رجل بعدهم أبو بكر الصديق.
وقريب من هذا الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي بكر وعمر " هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلاّ النبيين والمرسلين " (¬2) .
وقد رتب الله عباده السعداء الذين أنعم عليهم أربع مراتب، قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69] .
فأول هذه المراتب وأعلاها الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء، ثم الصالحون.
لا مجال للمصادفة:
قد يظنّ ظانٌ أن للمصادفة هنا محلاً، وأن من الأنبياء من أصابته النبوة وهو لا يستحقها، معاذ الله، ولكنّ الله العليم الحكيم الخبير نظر في معادن العباد وقلوبهم، واختار منهم واصطفى الأفضل الأكمل، وصدق الله إذ يقول: (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام: 124] .
إنّ حكمة الله وعلمه قاضيان بأن لا تمنح النبوة والرسالة إلاّ للمستعد لها والقادر على حملها (¬3) ، وإذا تأملت في سيرة أنبياء الله ورسله رأيتهم أبرّ الناس
¬_________
(¬1) أخرجه بنحوه عبد بن حميد في ((مسنده)) ورقمه: (212) من حديث أبي الدرداء، وأخرجه أيضاً عبد الله بن أحمد في كتاب ((فضائل الصحابة)) ورقمه: (508) .
ولفظه في ((مسند عبد بن حميد)) : عن أبي الدرداء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد أفضل، وأخير، من أبي بكر، إلا أن يكون نبيٌّ ".
(¬2) أخرجه الترمذي: (3664) من حديث أنس بن مالك، و (3665) من حديث علي بن أبي طالب، وكلاهما صحيح.
(¬3) المهتدون بهدى الكتاب والسنة يرون أنّ الرسل أفضل الخلق وأكملهم، وقد اختارهم العليم الخبير كي يكونوا سفراءه إلى خلقه، وينبغي أن نفرق بين ما جبلهم الله عليه من الفضائل والمزايا وبين ما أوحاه إليهم، فالذي أوحي إليهم به لم يكن لهم به علم، وليس لذكائهم وفظنتهم من شيء فيه، ولذلك قال الله لرسوله: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الإيمانُ) [الشورى: 52] وهذا يرد على ذلك الصنف من الذين يزعمون أنهم يعظمون الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصفونه بالعبقرية، ثم ينسبون كل شيء إلى عبقريته، حتى العلوم التي جاء بها، وهذه خدعة ماكرة، يريدون من ورائها إنكار الوحي، ونسبة هذه العلوم الإلهية الربانية إلى العبقرية المحمدية، ونحن في الرد عليهم لا نشتط فننكر مزايا الرسول وفضله، ولكننا نبطل باطلهم، ونثبت الجانب الحق فيه، وهو أن محمداً ليس عبقرياً فقط، بل هو مع ذلك رسول رب العالمين.

الصفحة 210