كتاب الرسل والرسالات

المطلب الثالث
الزعم بأن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء (¬1)
وزعم بعض المتصوفة أنّ الولاية أفضل من النبوة، وزعم هؤلاء أنّ خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، ومن هؤلاء الذين زعموا هذا الزعم الباطل الحكيم الترمذي، وابن عربي القائل بوحدة الوجود، وهؤلاء كذبوا فيما ذهبوا إليه، فلم يرد في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أنّ هناك خاتماً للأولياء، ولم يرد أنّه أفضل من غيره من الأولياء فضلاً عن أن يكون خيرهم، ولم يتكلم في هذه المسألة أحد من الذين لهم باع في العلم ممن يقتدى ويتأسى بهم.
وأصل غلطهم أنّهم نظروا فوجدوا أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل، وأفضل الرسل، فقالوا: هو أفضلهم لأنّه آخرهم، وهذا فاسد فالتأخر والتقدم ليس عليه مدار التفضيل، ولذلك كان إبراهيم متقدماً وهو أفضل من موسى، وإبراهيم وموسى متقدمان، وهما أفضل من عيسى، وصحّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أفضل هذه الأمة صحابته الذين كانوا معه، ولو أنّ المسلم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه، وثبت عنه أنه قال: " خير الناس قرني ثمّ الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم " (¬2) .
وفي العلوم قد ينبغ المتقدم نبوغاً لا يدرك شأوه المتأخر، واعتبر في هذا بسيبويه في علم النحو، وقد يكون هذا في العلوم المترقية التي يكمل المتأخر فيها
¬_________
(¬1) راجع في هذه المسألة: لوامع الأنوار البهية: 2/300، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام: 2/222، 11/221، 363.
(¬2) أخرجه البخاري: (2652) من حديث عبد الله بن مسعود. وانظر ((مسند أحمد)) : 6/76/ (3549) والتعليق عليه.

الصفحة 215