كتاب الرسل والرسالات

حِفظ الرّسَالات
لما كانت الرسالات السابقة مرهونة بوقت وزمان فإنها لا تخلد ولا تبقى، ولم يتكفل الله بحفظها، وقد وكل حفظها إلى علماء تلك الأمة التي أنزلت عليها، فالتوراة وكل حفظها إلى الربانيين والأحبار، (وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء) [المائدة: 44] .
ولم يطق الربانيون والأحبار حفظ كتابهم، وخان بعضهم الأمانة فغيروا وبدلوا وحرفوا، وحسبك أن تطالع التوراة لترى ما حلّ فيها من تغيير وتبديل، لا في الفروع، بل في الأصول، فقد نسبوا إلى الله ما يقشعر الجلد لسماعه، ونسبوا إلى الرسل ما يترفع الرعاع عن نسبته إليهم (¬1) .
أمّا هذه الرسالة الخاتمة فقد تكفل هو بحفظها، ولم يكل حفظها إلى البشر،
¬_________
(¬1) بينا شيئاً من افتراءات اليهود على الله في (العقيدة في الله) ، وبينا شيئاً من افتراءاتهم على الرسل في (الرسل والأنبياء) وسأورد هنا مثالاً واحداً من تحريف اليهود، وهذا التحريف جعل التوراة متناقضة، النص الأصلي في التوراة هو (خذ ابنك وحيدك الذي تحبه واذبحه) ، هذا الابن هو إسماعيل، ولكن اليهود كبر عليهم أن يذهب إسماعيل وأبناؤه وهم العرب بهذا الفضل، فأقحموا في النص كلمة (إسحاق) لينسبوا الفضل لأنفسهم، فأصبح النص في التوراة - المحرفة - التي بين أيديهم اليوم (خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذبحه) سفر التكوين، الإصحاح الثاني، فقرة (2) . ولكن هذا الذي حرف النص هنا لم ينتبه إلى التناقض الذي أوجده مع نصوص أخرى في التوراة، فقد ورد في التوراة أن إسماعيل ولد لإبراهيم وعمر إبراهيم ست وثمانون سنة، انظر الإصحاح السادس عشر من سفر التكوين، وعلى ذلك يكون إسماعيل هو ولده وحيده، أما إسحاق فتقول التوراة إنه ولد (وكان إبراهيم ابن مائة سنة حين ولد له إسحاق) الإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين فقرة (5) . أرأيت كيف فضح الله مكرهم وكيدهم وأظهر تحريفهم وتبديلهم، وقد ذكرت شيئاً من هذا التحريف في أدلة صدق الرسل (البشارات) .

الصفحة 241