كتاب الرسل والرسالات

يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا..) [البقرة: 133] (¬1) .
ومرة ينص على وحدة الدين الذي شرعه للرسل العظام: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى: 13] .
الرسالات السابقة تبين الأسباب الموجبة لعبادة الله:
ولم تكتف الرسالات السابقة بالدعوة إلى عبادة الله وحده، بل بينت الأسباب التي تجعل هذه الدعوى هي الحق الذي لا محيص عنه، وذلك بذكر خصائص الألوهية، وبالحديث عن نعم الله تعالى التي أنعم بها على عباده، وبتوجيه الأنظار والعقول للنظر في ملكوت السماوات والأرض، فنوح يقول لقومه: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا - وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا - أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا - وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا - وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا - ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا - وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا- لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا) [نوح: 13-20]
وهذا المعنى يتردد في صحف إبراهيم وموسى، وقد ورد فيهما كما أخبرنا القرآن (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى - وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى - وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا - وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى - مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى - وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى - وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى - وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى - وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى - وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى - وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى) [النجم: 42-52] .
¬_________
(¬1) ثبت في السنة أن نوحاً أوصى ولده بمثل ذلك، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن نبي الله نوحاً - صلى الله عليه وسلم - لما حضرته الوفاة، قال لابنه: إني قاص عليك الوصية: آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلا الله، فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهنّ لا إله إلا الله، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة (مغلقة) ، قصمتهن (كسرتهن) لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكبر " رواه البخاري في الأدب المفرد: ص548، وأحمد 2/169، 170، 225، والبيهقي في الأسماء: (79 هندية) (انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة: حديث رقم: 134) .

الصفحة 245