كتاب الرسل والرسالات

المطلب الثاني
اختلاف الشرائع
إذا كان الدين الذي جاءت به الرسل واحداً وهو الإسلام فإن شرائع الأنبياء مختلفة، فشريعة عيسى تخالف شريعة موسى في بعض الأمور، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم تخالف شريعة موسى وعيسى في أمور، قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) [المائدة: 48] والشرعة هي الشريعة وهي السنة، والمنهاج: الطريق والسبيل.
وليس معنى ذلك أن الشرائع تختلف اختلافاً كلياً، فالناظر في الشرائع يجد أنها متفقة في المسائل الأساسية، وقد سبق ذكر النصوص التي تتحدث عن تشريع الله للأمم السابقة الصلاة والزكاة والحج، وأخذ الطعام من حلّه وغير ذلك، والاختلاف بينها إنّما يكون في بعض التفاصيل.
فأعداد الصلوات وشروطها وأركانها ومقادير الزكاة ومواضع النسك ونحو ذلك قد تختلف من شريعة إلى شريعة، وقد يحلّ الله أمراً في شريعة لحكمة، ويحرمه في شريعة أخرى لحكمة.
ونضرب لهذا ثلاثة أمثلة:
الأول: الصوم: فقد كان الصائم يفطر بغروب الشمس، ويباح له الطعام والشراب والنكاح إلى طلوع الفجر ما لم ينم، فإن نام قبل الفجر حرم عليه ذلك كله إلى غروب الشمس من اليوم الثاني، فخفَّف الله عن هذه الأمة وأحله من الغروب إلى الفجر سواءً أنام أم لم ينم. قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ

الصفحة 250