كتاب الرسل والرسالات

صفات الرّسُل
المبحث الأول
البشرية
جاءت حكمة العليم الخبير أن يكون الرسل الذين يرسلهم إلى البشر من البشر أنفسهم (قل إنَّما أنا بشرٌ مثلكم) [الكهف: 110] .
وسنجلي هذا الموضوع في أربعة مطالب.
المطلب الأول
أهلية البشر لتحمّل الرسالة
الذين يستعظمون ويستبعدون اختيار الله بعض البشر لتحمّل الرسالة لا يقدرون الإنسان قدره، فالإنسان مؤهل لتحمّل الأمانة العظمى، أمانة الله التي أشفقت السماوات والأرض والجبال من حملها، (إنَّا عرضنا الأمانة على السَّماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنَّه كان ظلوماً جهولاً) [الأحزاب: 72] .
والذين استعظموا اختيار الله البشر رسلاً نظروا إلى المظهر الخارجي للإنسان، نظروا إليه على أنه جسد يأكل ويشرب وينام، ويمشي في الأرض لتلبية حاجاته (وقالوا مال هذا الرَّسول يأكل الطَّعام ويمشي في الأسواق) [الفرقان: 7] ، ولم ينظروا إلى جوهر الإنسان، وهو تلك الروح التي هي نفخة من روح الله (فإذا سوَّيته ونفخت فيه من رُّوحي فقعوا له ساجدين) [الحجر: 29] . وبهذه الروح تميز الإنسان، وصار إنساناً، واستخلف في الأرض، وقد أودعه الله الاستعداد للاتصال به عن طريق تلك النفخة العلوية التي ميزته، فلا عجب أن يختار الله واحداً من هذا الجنس، صاحب استعداد للتلقي، فيوحي إليه ما يهدي به إخوانه إلى الطريق كلّما غام عليهم الطريق، وما

الصفحة 69