كتاب الرسل والرسالات

يقدم به إليهم العون كلّما كانوا بحاجة إلى العون (¬1) (قالت لهم رسلهم إن نَّحن إلاَّ بشرٌ مثلكم ولكنَّ الله يمنُّ على من يشاء من عباده) [إبراهيم: 11] .
ثمَّ إنّ الرسل يُعدّون إعداداً خاصّاً لتحمُّل النبوة والرسالة، ويصنعون صنعاً فريداً (واصطنعتك لنفسي) [طه: 41] ، واعتبر هذا بحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كيف رعاه الله وحاطه بعنايته على الرغم من يتمه وفقره (ألم يجدك يتيماً فآوى - ووجدك ضالاً فهدى - ووجدك عائلاً فأغنى) [الضحى: 6-8] ، وقد زكّاه وطهّره، وأذهب عنه رجس الشيطان، وأخرج منه حظّ الشيطان منذ كان صغيراً، فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه، فصرعه، فشقّ عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظُّ الشيطان منك، ثمّ غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمّه (¬2) ، يعني ظئره، فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللّون، قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره " (¬3) .
وحدث قريب من هذا عندما جاءه جبريل يهيئه للرحلة الكبرى للعروج به إلى السماوات العلى، ففي حديث الإسراء: ((فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم، ففرج صدري، ثمّ غسله من ماء زمزم، ثمّ جاء بطست من مذهب ممتلئ حكمة وإيماناً، فأفرغها في صدري، ثم أطبقه " متفق عليه (¬4) .
المطلب الثاني
لِمَ لَمْ يكن الرسل ملائكة؟
لقد كثر اعتراض أعداء الرسل على بعثة الرسل من البشر، وكان هذا الأمر من أعظم ما صدّ الناس عن الإيمان، (وما منع النَّاس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى
¬_________
(¬1) في ضلال القرآن: 19/2552.
(¬2) أمه من الرضاع، وهي حليمة السعدية.
(¬3) صحيح مسلم: 162.
(¬4) صحيح البخاري: 349، وصحيح مسلم: 263، واللفظ لمسلم.

الصفحة 70