كتاب الرسل والرسالات

إلاَّ أن قالوا أبعث الله بشراً رَّسولاً) [الإسراء: 94] وعدّوا اتباع الرسل بسبب كونهم بشراً فيما جاؤوا به من عقائد وشرائع أمراً قبيحاًً، وعدُّوه خسراناً مبيناً (ولئِن أطعتم بشراً مثلكم إنَّكم إذاً لخاسرون) [المؤمنون: 34] ، (فقالوا أبشراً منَّا واحداً نَّتَّبعه إنَّا إذاً لفي ضلالٍ وسعرٍ) [القمر: 24] ، وقد اقترح أعداء الرسل أن يكون الرسل الذين يبعثون إليهم من الملائكة يعاينونهم ويشاهدونهم، أو على الأقل يبعث مع الرسول البشري رسولاً من الملائكة، (وقال الَّذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربَّنا) [الفرقان: 21] ، (وقالوا مال هذا الرَّسول يأكل الطَّعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملكٌ فيكون معه نذيراً) [الفرقان: 7] .
وعندما نتأمل النصوص القرآنية يمكننا أن نرّد على هذه الشبهة من وجوه:
الأول: أن الله اختارهم بشراً لا ملائكة لأنّه أعظم في الابتلاء والاختبار، ففي الحديث القدسي الذي يرويه مسلم في صحيحه: ((إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك)) (¬1) .
الثاني: أن في هذا إكراماً لمن سبقت لهم منه الحسنى، فإن اختيار الله لبعض عباده ليكونوا رسلاً تكريم وتفضيل لهم، (أولئك الَّذين أنعم الله عليهم من النَّبيين من ذريَّة آدم وممَّن حملنا مع نوحٍ ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممَّن هدينا واجتبينا..) [مريم: 58] .
الثالث: أنّ البشر أقدر على القيادة والتوجيه، وهم الذين يصلحون قدوة وأسوة، يقول سيد قطب رحمه الله في هذا: " وإنها لحكمة تبدو في رسالة واحد من البشر إلى البشر، واحد من البشر يحسّ بإحساسهم، ويتذوق مواجدهم، ويعاني تجاربهم، ويدرك آلامهم وآمالهم، ويعرف نوازعهم وأشواقهم، ويعلم ضروراتهم وأثقالهم..، ومن ثمّ يعطف على ضعفهم ونقصهم، ويرجو في
¬_________
(¬1) صحيح مسلم: 2865.

الصفحة 71