كتاب الرسل والرسالات

قوتهم واستعلائهم، ويسير بهم خطوة خطوة، وهو يفهم بواعثهم وتأثراتهم واستجاباتهم، لأنّه في النهاية واحد منهم، يرتاد بهم الطريق إلى الله، بوحي من الله وعون منه على وعثاء الطريق.
وهم من جانبهم يجدون فيه القدرة الممكنة، لأنّه بشر مثلهم، يتسامى بهم رويداً رويداً، ويعيش فيهم بالأخلاق والأعمال والتكاليف التي يبلغهم أنّ الله قد فرضها عليهم، وأرادها منهم، فيكون بشخصه ترجمة حية للعقيدة التي يحملها إليهم، وتكون حياته وحركاته وأعماله صفحة معروضة لهم، ينقلونها سطراً سطراً، ويحققونها معنى معنى، وهم يرونها بينهم، فتهفوا نفوسهم إلى تقليدها، لأنها ممثلة في إنسان " (¬1) .
الرابع: صعوبة رؤية الملائكة، فالكفار عندما يقترحون رؤية الملائكة، وأن يكون الرسل إليهم ملائكة لا يدركون طبيعة الملائكة، ولا يعلمون مدى المشقة والعناء الذي سيلحق بهم من جراء ذلك.
فالاتصال بالملائكة ورؤيتهم أمر ليس بسهل، فالرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه أفضل الخلق، وهو على جانب عظيم من القوة الجسمية والنفسية عندما رأى جبريل على صورته أصابه هول عظيم ورجع إلى منزله يرجف فؤاده، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعاني من اتصال الوحي به شدّة، ولذلك قال في الردّ عليهم: (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ للمجرمين) [الفرقان: 22] ، ذلك أنّ الكفار لا يرون الملائكة إلا حين الموت أو حين نزول العذاب، فلو قُدِّر أنهم رأوا الملائكة لكان ذلك اليوم يوم هلاكهم.
فكان إرسال الرسل من البشر ضرورياً كي يتمكنوا من مخاطبتهم والفقه عنهم، والفهم منهم، ولو بعث الله رسله إليهم من الملائكة لما أمكنهم ذلك. (وما منع النَّاس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلاَّ أن قالوا أبعث الله بشراً رَّسولاً - قل لَّو كان في الأرض ملائكةٌ يمشون مطمئِنين لنزَّلنا عليهم من السَّماء ملكاً رَّسولاً) [
¬_________
(¬1) في ظلال القرآن: 19/2553.

الصفحة 72