كتاب الرسل والرسالات

وقد صح أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأمّ سُلَيم: " يا أم سُلَيم، أما تعلمين أني شرطي على ربي، أني اشترطت على ربي، فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيّما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن يجعلها طَهوراً وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة " (¬1) .
ثانياً: تعرض الأنبياء للبلاء:
ومن مقتضى بشرية الرسل أنّهم يتعرضون للابتلاء كما يتعرض البشر، فقد يسجنون كما سجن يوسف (قال رب السجن أحبُّ إليَّ ممَّا يدعونني إليه) [يوسف: 33] ، وذكر الله أنه (فلبث في السجن بضع سنين) [يوسف: 42] ، وقد يصيبهم قومهم بالأذى وقد يدمونهم، كما أصابوا الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد فأدموه، وكسروا رباعيته، وقد يخرجونهم من ديارهم كما هاجر إبراهيم من العراق إلى الشام، وكما هاجر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وقد يقتلونهم (أفكلَّما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذَّبتم وفريقاً تقتلون) [البقرة: 87] وقد يصابون بالأمراض، كما ابتلى الله نبيّه أيوب فصبر، وقد صحّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم: " أن نبيّ الله أيوب لبث به بلاؤه ثمان عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه.. " (¬2) .
وكان من ابتلائه أن ذهب أهله وماله، وكان ذا مال وولد كثير، (وأيُّوب إذ نادى ربَّهُ أني مسني الضرُّ وأنت أرحم الرَّاحمين - فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍ وآتيناه أهله ومثلهم مَّعهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين) [الأنبياء: 83-84] .
والأنبياء لا يصابون بالبلاء فحسب، بل هم أشدُّ الناس بلاءً، فعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثمّ الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً اشتدّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقَّة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد
¬_________
(¬1) صحيح مسلم: 2603.
(¬2) رواه أبو يعلى في مسنده، وأبو نعيم في الحلية، والضياء في المختارة، وابن حبان في صحيحه (انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة: حديث رقم 17) .

الصفحة 75