كتاب الرسل والرسالات

5- التفرد في المواهب والقدرات:
الأنبياء أُعطوا العقول الراجحة، والذكاء الفذ، واللسان المبين، والبديهة الحاضرة، وغير ذلك من المواهب والقدرات التي لا بدّ منها لتحمل الرسالة ثم إبلاغها ومتابعة الذين تقبلوها بالتوجيه والتربية.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحفظ ما يُلقى إليه ولا ينسى منه كلمة (سَنُقْرِؤُكَ فلا تنسى) [الأعلى: 6] .
وقد كانوا يعرضون دين الله للمعارضين ويفحمونهم في معرض الحجاج، وفي هذا المجال أسكت إبراهيم خصمه (فبهت الَّذي كفر والله لا يهدي القوم الظَّالمين) [البقرة: 258] ، وقال الله معقباً على محاججة إبراهيم لقومه: (وتلك حجَّتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجاتٍ مَّن نَّشاء) [الأنعام: 83] .
وموسى كان يجيب فرعون على البديهة حتى انقطع، فانتقل إلى التهديد بالقوة (قال فرعون وما ربُّ العالمين - قال ربُّ السَّماوات والأرض وما بينهما إن كنتم مُّوقنين - قال لمن حوله ألا تستمعون - قال ربُّكم وربُّ آبائكم الأوَّلين - قال إنَّ رسولكم الَّذي أرسل إليكم لمجنون - قال ربُّ المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون - قال لئن اتَّخذت إلهاً غيري لأجعلنَّك من المسجونين) [الشعراء: 23-29] .
6- الكمال في تحقيق العبودية:
بيّنا الكمال الذي حبا الله به رسله في صورهم الظاهرة، وأخلاقهم الباطنة، والمواهب والسجايا التي أعطاهم إياها في ذوات أنفسهم، وهناك نوع آخر من الكمال وفق الله رسله وأنبياءه لتحصيله، وهو تحقيق العبودية لله في أنفسهم.
فكلّما كان الإنسان أكثر تحقيقاً للعبودية لله تعالى، كلَّما كان أكثر رقيّاً في سلّم الكمال الإنساني، وكلما ابتعد عن تحقيق العبودية لله كلما هبط وانحدر.
والرسل حازوا السبق في هذا الميدان، فقد كانت حياتهم انطلاقة جادة في

الصفحة 83