كتاب الرسل والرسالات

تحقيق هذه العبودية، وهذا خاتم الرسل وسيد المرسلين يثني عليه ربّه في أشرف المقامات بالعبودية، فيصفه بها في مقام الوحي (فأوحى إلى عبده ما أوحى) [النجم: 10] ، وفي مقام إنزال الكتاب (تبارك الَّذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً) [الفرقان: 1] ، وفي مقام الدعوة (وأنَّه لمَّا قام عبد الله يدعوه) [الجن: 19] ، وفي مقام الإسراء (سبحان الَّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الَّذي باركنا حوله..) [الإسراء: 1] وبهذه العبودية التامة استحق صلوات الله وسلامه عليه التقديم على الناس في الدنيا والآخرة، ولذلك فإن المسيح عليه السلام يقول للناس إذا طلبوا منه الشفاعة بعد طلبها من الرسل من قبله: " ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فقد غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر " (¬1) .
وإليك صورة من صور هذه العبودية ترويها لنا أمّنا عائشة - رضي الله عنها - قالت رضي الله عنها وعن أبيها: " قلت: يا رسول الله، كُلْ - جعلني الله فداك - متكئاً، فإنّه أهون عليك، فأحنى رأسه حتى كاد أن تصيب جبهته الأرض، وقال: بل آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد " رواه البغوي في شرح السنة، وابن سعد، والإمام أحمد في الزهد (¬2) .
7- الذكورة:
ومن الكمال الذي حباهم به أنه اختار جميع الرسل الذين أرسلهم من الرجال، ولم يبعث الله رسولاً من النساء يدلُّ على ذلك صيغة الحصر التي وردت في قوله تعالى: (وما أرسلنا قبلك إلاَّ رجالاً نُّوحي إليهم) [الأنبياء: 7] .
الحكمة من كون الرسل رجالاً:
كان الرسل من الرجال دون النساء لحكم يقتضيها المقام فمن ذلك:
¬_________
(¬1) صحيح البخاري: 6565.
(¬2) انظر صحيح جامع الصغير: (1/122) .

الصفحة 84