كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

يَتَوَضَّأَ أَنْ لَا يَمُوتَ فَلَا تَشْهَدَ الْمَلَائِكَةُ جَنَازَتَهُ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ شَهِدَتْ جِنَازَتَهُ وَدَخَلَتِ الْمَكَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَنَهَى الْجُنُبَ عَنِ الْمَسْجِدِ؛ لِئَلَّا يُؤْذِيَ الْمَلَائِكَةَ بِالْخُرُوجِ، فَإِذَا تَوَضَّأَ أَمْكَنَ دُخُولُ الْمَلَائِكَةِ الْمَسْجِدَ، فَزَالَ الْمَحْذُورُ، وَهَذَا الْعُبُورُ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَغَرَضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورِيًّا، فَأَمَّا (لِمُجَرَّدِ) الْعَبَثِ فَلَا، فَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى الدُّخُولِ ابْتِدَاءً، أَوِ اللُّبْثِ فِيهِ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ - جَازَ ذَلِكَ، وَلَزِمَهُ التَّيَمُّمُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا يَلْزَمُ إِذَا لَبِثَ فِيهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَدْ عَدِمَ الْمَاءَ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلْجَأٌ إِلَى اللُّبْثِ، وَالْمَقَامُ غَيْرُ قَاصِدٍ لَهُ، فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْعَابِرِ الْمُجْتَازِ، كَالْمُسَافِرِ لَوْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُجْتَازِ فِي رُخَصِ السَّفَرِ؛ وَلِهَذَا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ اللُّبْثِ أَثِمَ وَإِنْ لَمْ يَلْبَثْ؛ اعْتِبَارًا بِقَصْدِ اللُّبْثِ كَمَا يُعْتَبَرُ قَصْدُ الْإِقَامَةِ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَحْتَجِمَ أَوْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ أَوْ يَخْتَضِبَ - نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ؛ لِأَنَّ هَذَا نَظَافَةٌ فَأَشْبَهَ الْوُضُوءَ، وَلَا يُقَالُ: " إِنَّ الْجَنَابَةَ تَبْقَى عَلَى الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ "؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ إِنَّمَا ثَبَتَ لَهُمَا مَا دَامَا مُتَّصِلَيْنِ بِالْإِنْسَانِ، فَإِذَا انْفَصَلَا لَحِقَا بِالْجَمَادَاتِ.

فَصْلٌ
فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَذِكْرُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَلِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «أَنَّهُ لَمَّا قَامَ اللَّيْلَ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْأَوَاخِرَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ» ".

الصفحة 392