كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، فَذُكِرَ لَهُ الْوُضُوءُ، فَقَالَ " مَا أَرَدْتُ صَلَاةً فَأَتَوَضَّأُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّمَا أَمَرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ كَذَلِكَ لِمَا رَوَى الْمُهَاجِرُ بْنُ قُنْفُذٍ أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَعَنْ أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: «أَقْبَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى لَا فَضْلَ فِيهِ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ مِرَارًا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا؛ وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ إِنَّمَا يُرَادُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ، بِخِلَافِ الْغُسْلِ، فَإِنَّهُ

الصفحة 393