كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

فَصْلٌ
يَنْبَغِي لِلْمُغْتَسِلِ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ وَالْمُسْتَحَبَّ وَغَيْرَهُمَا التَّسَتُّرُ مَا أَمْكَنَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسِّتْرَ، ثُمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الْآدَمِيِّينَ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَحَدٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] وَرَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: " احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ " قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ: " إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيْنَهَا " قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ: " فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ» " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ.
وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَهَذَا يَعُمُّ حِفْظَهَا مِنَ النَّظَرِ وَالْمَسِّ فَقَالَ: " «لَا تَبْرِزْ فَخْذَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى فَخْذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» وَقَالَ: «لَا تَمْشُوا عُرَاةً»

الصفحة 400