كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

بِالتَّسَتُّرِ، وَنَهْيِ الْقَيِّمِ عَنْ مَسِّ عَوْرَاتِ النَّاسِ عِنْدَ تَدْلِيكِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُغَيِّرَ الْمُنْكَرَ بِلِسَانِهِ وَلَا بِيَدِهِ، فَلَا يَدْخُلْهَا إِلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْعَوْرَاتِ كَمَا قُلْنَا؛ وَلِأَنَّ فِيهَا الْمُنْكِرَاتِ وَالْقُعُودَ مَعَ قَوْمٍ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، أَوْ قَوْمٍ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَوْ يَغْتَابُونَ، فَإِنَّ الْأُمُورَ الْمُحَرَّمَةَ إِنَّمَا يُبَاحُ مِنْهَا مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ؛ وَلِهَذَا حَرُمَتْ عَلَى النِّسَاءِ إِلَّا لِحَاجَةٍ.
لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَضَعَ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا، وَمَتَى دَخَلَهَا لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِ حَاجَّةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِفَرْضِ التَّغْيِيرِ إِمَّا بِيَدِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ، وَالْأَفْضَلُ اجْتِنَابُهَا بِكُلِّ حَالٍ مَعَ الْغِنَى عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ رَقِيقِ الْعَيْشِ؛ وَلِأَنَّهَا مَظِنَّةُ النَّظَرِ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ كَانَتْ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ إِنَاثِ أُمَّتِي فَلَا تَدْخُلِ الْحَمَّامَ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ» " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّهَا سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا: الْحَمَّامَاتُ فَلَا

الصفحة 405