كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

وَيَهْدِمُ الْحَمَّامَ " وَكُرِهَ غَلَّتُهُ، وَإِنِ اشْتُرِطَ عَلَى الْمُكْتَرِي أَنْ لَا يُدْخِلَهُ أَحَدًا إِلَّا بِمِئْزَرٍ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ لَا يَنْضَبِطُ، وَقَالَ: " فَمَنْ بَنَى حَمَّامًا لِلنِّسَاءِ لَيْسَ بِعَدْلٍ "؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ غَالِبًا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ مِثْلَ نَظَرِ الْعَوْرَاتِ وَكَشْفِهَا وَدُخُولِ النِّسَاءِ، وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ الْقَاضِي: " لَا يَجُوزُ بِنَاؤُهَا وَبَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا، كَمَا لَمْ يَجُزْ عَمَلُ آلَةِ اللَّهْوِ وَبَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا، وَعَمَلُ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَعَمَلُ بَيْتِ النَّارِ وَالْبَيْعُ " وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى بِلَادٍ لَا يَضْطَرُّونَ إِلَى الْحَمَّامَاتِ كَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ، فَأَمَّا الْبِلَادُ الْبَارِدَةُ كَالشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَأَرْمِينِيَّةَ وَتَشَاءَمَ عَنْهَا وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِاغْتِسَالِ فِي الشِّتَاءِ إِلَّا فِي الْحَمَّامَاتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ: " عَلَيْكُمْ بِالشَّمْسِ فَإِنَّهَا حَمَّامُ الْعَرَبِ " وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «أَنَّهَا سَتُفْتَحُ بِلَادُ الْعَجَمِ، وَأَنَّ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا: الْحَمَّامَاتُ، لَمْ يَأْمُرْ بِهَدْمِهَا» ".
وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: " كَتَبَ عُمَرُ إِلَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ عِنْدَكَ بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا: الْحَمَّامَاتُ، فَلَا يُقْرَأُ فِيهَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ".
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْقِرَاءَةِ قَالَ: " لَيْسَ لِذَلِكَ بُنِيَ " وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ، نُزِعَ مِنْ أَهْلِهِ الْحَيَاءُ وَلَا يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ " رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَاحْتَجَّ بِهِ إِسْحَاقُ. وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ فِيهِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ دَخَلَ

الصفحة 407