كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

وَجُودِهِ بِأَنْ يَرَى خُضْرَةً أَوْ حُفْرَةً أَوْ رَكْبًا أَوْ طَيْرًا يَتَسَاقَطُ عَلَى مَكَانٍ؛ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ فَجَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ كَمَا لَوْ طَلَبَ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ طَلَبِ الْمَاءِ وَلَا أَمَارَةَ تُزِيلُ حُكْمَ الْأَصْلِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ كَاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ الطَّلَبُ إِذَا رَجَا وُجُودَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنْ لَا مَاءَ فَلَا يَجِبُ الطَّلَبُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] وَلَا يَنْفِي عَنْهُ الْوُجُودَ إِلَّا بَعْدَ سَابِقَةِ الطَّلَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَقَوْلِهِ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِهِ، فَلَمْ يَجُزْ إِلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ كَالصِّيَامِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنِ الرَّقَبَةِ وَعَنِ الْهَدْيِ وَعَنِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ، وَالْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنِ النَّصِّ، وَالْمَيِّتِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنِ الْمُذَكَّى، وَلِأَنَّ الْبَدَلَ فِي مِثْلِ هَذَا إِنَّمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا تُسْتَيْقَنُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَصِفَتُهُ أَنْ يُفَتِّشَ عَلَى الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ، وَيَسْأَلَ رُفْقَتَهُ عَنْ مَوَارِدِهِ أَوْ عَنْ مَا مَعَهُمْ لِيَبِيعُوهُ أَوْ يَبْذُلُوهُ.
قَالَ الْقَاضِي: سَوَاءٌ قَالُوا: لَوْ سَأَلْتَنَا أَعْطَيْنَاكَ أَوْ مَنَعْنَاكَ، وَفِي إِلْزَامِهِ سُؤَالَهُمُ الْبَدَلَ نَظَرٌ، وَيَسْعَى أَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ إِلَى حَيْثُ جَرَتْ عَادَةُ السُّفَّارِ بِالسَّعْيِ إِلَيْهِ لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى، هَكَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي طَلَبِهِ وَعُدُولُهُ عَنْ طَرِيقِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَقْدِيرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْمَشْيِ تَوْقِيفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمِيلُ بِأَوْلَى مِنَ الْمِيلَيْنِ، وَاحْتَجَّ إِسْحَاقُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ (لَمْ يَكُنْ يَعْدِلُ إِلَى الْمَاءِ وَهُوَ مِنْهُ غَلْوَةً أَوْ غَلْوَتَيْنِ).
وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ وَقَدْ قِيلَ لَهُ: وَعَلَى كَمْ يُطْلَبُ الْمَاءُ؟ فَقَالَ: " إِنْ لَمْ

الصفحة 426