كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

وَعَنْهُ أَيْضًا " أَنَّهُ تَيَمَّمَ بِمِرْبَدِ النَّعَمِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ " رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ تَأْخِيرُهَا، وَطَرْدُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي آخِرِهِ، أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَسَبِ حَالِهِ، وَلِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ قَائِمٌ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ بِهِ وَإِنْ تَيَقَّنَ زَوَالَهُ فِي (الْحَالِ) كَالْقَصْرِ فِي سَفَرٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْدَمُ مِنْهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا يَخَافُ فَوْتَ الْوَقْتِ إِنْ قَصَدَهُ أَوْ تَشَاغَلَ بِالْوُضُوءِ، أَوْ كَانَ الْوَارِدُونَ عَلَيْهِ كَثِيرًا لَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ النَّوْبَةُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، أَوْ كَانَ فِي بِئْرٍ إِنِ اشْتَغَلَ بِالِاسْتِقَاءِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ الْوَقْتُ - تَيَمَّمَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ كَانَ هُوَ التَّيَمُّمَ وَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ بِهِ فِي الْوَقْتِ فَاسْتَمَرَّ حُكْمُ الْعَدَمِ فِي حَقِّهِ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ الْوُضُوءُ فِي الْوَقْتِ لَا أَثَرَ لَهُ لِأَنَّ الْوَقْتَ لِلصَّلَاةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَشْتَغِلُ بِأَسْبَابِ الْوُضُوءِ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَضَرِ، وَإِذَا خَشِيَ دُخُولَ وَقْتِ الضَّرُورَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ خَشِيَ خُرُوجَ الْوَقْتِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إِلَيْهِ إِلَّا لِعُذْرٍ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْوُضُوءُ فِي الْوَقْتِ فَأَخَّرَ ذَلِكَ عَمْدًا حَتَّى خَشِيَ الْفَوَاتَ فَهُوَ كَالْحَاضِرِ لِأَنَّ فَرْضَهُ كَانَ هُوَ الْوُضُوءَ، وَهَلْ حَدُّ الْقَرِيبِ

الصفحة 431