كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

الْفَصْلُ السَّادِسُ:
إِذَا كَانَ مَرِيضًا مِثْلَ الْمَجْذُورِ وَالْجَرِيحِ وَغَيْرِهِمَا، وَخَافَ إِنِ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ تَضَرَّرَ، انْتَقَلَ إِلَى التَّيَمُّمِ لِلْآيَةِ وَلِحَدِيثِ صَاحِبِ الشَّجَّةِ. وَالْخَوْفُ الْمُبِيحُ أَنْ يَخْشَى التَّلَفَ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَجُوزُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ.
وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَتَى خَشِيَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ بِالْأَلَمِ وَنَحْوِهِ، أَوْ تَبَاطُؤَ الْبُرْءِ إِنِ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ، جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ، وَتَرْكُ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَالطِّيبُ لِلنَّاسِي وَالْحَلْقُ فِي الْإِحْرَامِ، فَجَازَ لَهُ تَرْكُ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ وَأَوْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَتَى زَادَتْ صِفَتُهُ أَوْ مُدَّتُهُ كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بِمَنْزِلَةِ مَرَضٍ مُبْتَدِئٍ، وَلَا تَجِبُ عِبَادَةٌ يَخَافُ مِنْهَا الْمَرِيضُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمَخُوفُ هُوَ التَّلَفَ كَفَى فِيهِ الظَّنُّ كَمَا قُلْنَا فِي السَّبُعِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ خِيفَ الْمَرَضُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ تَضَرُّرُهُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، إِمَّا بِقَوْلِ الطَّبِيبِ أَوْ نَحْوِهِ، فَأَمَّا مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ أَوْ يُمْكِنُ تَلَافِيهِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ الْمَرَضُ لَا يَضُرُّهُ كَالصُّدَاعِ وَالْحُمَّى الَّتِي يُسْتَعْمَلُ لَهَا الْمَاءُ (الْبَارِدُ) أَوِ الْحَارُّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْبَارِدِ أَوِ الْحَارِّ كَانَ كَالصَّحِيحِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنِ الْحَرَكَةِ إِلَى الْمَاءِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يُنَاوِلُهُ فَهُوَ كَالْعَادِمِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْحَضَرِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يُنَاوِلُهُ فِي الْوَقْتِ فَهُوَ وَاجِدُهُ، وَهُنَا بَدَلٌ عَنِ الْمَتْرُوكِ غَسْلُهُ " وَهِيَ " أَشْيَاءُ مُتَرَتِّبَةٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ مِنْ أَعْضَائِهِ مَعَ التَّيَمُّمِ " لِكُلِّ " صَلَاةٍ

الصفحة 433