كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

الْفَصْلُ السَّابِعُ:
إِذَا خَافَ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، لِمَا «رَوَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ: (احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ قُلْتُ: ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَذَكَرُهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَلَمَ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ فَاسْتَفْتَى فَأُفْتِيَ أَنْ يَغْتَسِلَ، فَمَاتَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ؛ إِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ» رَوَاهُ حَرْبٌ، وَلِأَنَّهُ إِذَا خَافَ الْمَرَضَ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَهُوَ كَمَا لَوْ خَافَ زِيَادَتَهُ وَأَوْلَى، وَالْمَخُوفُ هُنَا إِمَّا التَّلَفُ وَإِمَّا الْمَرَضُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
فَأَمَّا نَفْيُ التَّأَلُّمِ بِالْبَرْدِ فَلَا أَثَرَ لَهُ؛ لِأَنَّ زَمَنَ ذَلِكَ يَسِيرٌ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ مِمَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَمَتَى أَمْكَنَهُ تَسْخِينُ الْمَاءِ وَاشْتِرَاؤُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوِ الدُّخُولُ إِلَى الْحَمَّامِ بِالْأُجْرَةِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْمَاءِ الْحَارِّ كَقُدْرَةِ الْمُسَافِرِ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَكَذَلِكَ إِنْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ يَبِيعُهُ أَوْ

الصفحة 435