كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَهُوَ الْمَجَازُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ اعْتِزَالُ الْمَوْضِعِ الْمَقْصُودِ فِي الْغَالِبِ وَهُوَ الْفَرْجُ لِأَنَّهُ يُكَنَّى عَنِ اعْتِزَالِهِ بِاعْتِزَالِ الْمَرْأَةِ كَثِيرًا، كَمَا يُكَنَّى عَنْ مَسِّهِ بِالْمَسِّ وَالْإِفْضَاءِ مُطْلَقًا، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] بِقَوْلِهِ: " فَاعْتَزِلُوا نِكَاحَ فُرُوجِهِنَّ " رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ حَزْمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُمْ فِي تَفَاسِيرِهِمْ.
فَأَمَّا اعْتِزَالُ الْفَرْجِ وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَلَا هُوَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَلَا مَجَازُهُ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ فَسَّرَتْ هَذَا الِاعْتِزَالَ بِأَنَّهُ تَرْكُ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، فَرَوَى أَنَسٌ " «أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» " وَفِي لَفْظٍ " إِلَّا الْجِمَاعَ " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ.
وَالْجِمَاعُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْإِيلَاجُ فِي الْفَرْجِ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ الْفَرْجِ فَلَيْسَ هُوَ كَالْجِمَاعِ وَلَا نِكَاحٍ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهِ تَوَسُّعًا عِنْدَ التَّقْيِيدِ فَيُقَالُ: الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ؛ لِكَوْنِهِ بِالذَّكَرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجِمَاعِ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِيلَاجِ لَا سِيَّمَا الِاسْتِمْتَاعُ فِي الْفَرْجِ، فَمَا فَوْقَ السُّرَّةِ جَائِزٌ إِجْمَاعًا، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا شَيْئًا» " وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

الصفحة 462