كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

وَالْإِحْرَامِ وَطَرْدُهُ الِاعْتِكَافُ، إِنْ قُلْنَا بِهِ، وَإِلَّا قُلْنَا: حَرُمَ لِسَبَبٍ عَارِضٍ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مَاحِيَةٌ لِلذَّنْبِ وَزَاجِرَةٌ عَنْهُ فَلَا تُشْرَعُ فِي الْكَبَائِرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهُ، كَالزِّنَا وَالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُكَفَّرَ، وَالدَّاعِي إِلَيْهِ أَقْوَى مِنْ أَنْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّحْرِيمُ عَارِضًا فَرُبَّمَا دَعَتِ النَّفْسُ إِلَى الْعَادَةِ، فَشُرِعَتِ الْكَفَّارَةُ مَاحِيَةً لِلذَّنْبِ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ، وَزَاجِرَةً عَنْ مُعَاوَدَتِهِ، وَلِهَذَا أَغْنَى وُجُوبُهَا عَنِ التَّعْزِيرِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَيُشْرَعُ التَّعْزِيرُ فِيمَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَبِهَذَا أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ فِي وَطْءِ رَمَضَانَ وَالْإِحْرَامِ، وَلَمْ تَكُنِ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ إِفْسَادَ الْعِبَادَةِ فَقَطْ لِأَنَّا نُوجِبُهَا فِي الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ وَالصَّوْمِ الْفَاسِدِ فِي رَمَضَانَ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْأَصْلِ زَجْرًا وَمَحْوًا وَجَبْرًا وَلَا شَيْءَ فِي الْفَرْعِ يُجْبَرُ، فَلِهَذَا خَفَّتْ.

فَصْلٌ
وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّكْفِيرِ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ، وَعَنْهُ إِنْ كَانَ فِي إِقْبَالِ الدَّمِ فَدِينَارٌ وَإِنْ كَانَ فِي إِدْبَارِهِ فَنِصْفُ دِينَارٍ، حَمْلًا لِلتَّقْسِيمِ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ: " إِنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَ صُفْرَةً فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِذَا وَطِئَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فِي الْمَنْصُوصِ مِنَ

الصفحة 466