كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

[مَسْأَلَةٌ إن عبر الدم أكثر من زمن الحيض]
مَسْأَلَةٌ
" وَإِنْ عَبَرَ ذَلِكَ فَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ "
الْمُسْتَحَاضَةُ هِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا دَمٌ يُشْبِهُ دَمَ الْحَيْضِ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، بَلْ هُوَ دَمُ عِرْقٍ وَفَسَادٍ لِمَرَضٍ أَوِ انْحِلَالِ طَبِيعَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا الدَّمُ يُفَارِقُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِدَمِ الْجُرْحِ وَالْفِصَادِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ دَمَ الْجِبِلَّةِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، وَخَلَقَهُ لِحِكْمَةِ غِذَاءِ الْوَلَدِ وَتَرْبِيَتِهِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ كَالدَّمِ تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ وَالْعَجُوزُ الْكَبِيرَةُ، أَوِ الَّذِي يُجَاوِزُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَإِنَّ الَّذِي يُجَاوِزُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ يُعْلَمُ أَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ.
وَثَانِيهَا: أَنْ تَقُومَ الْأَمَارَةُ عَلَى أَنَّهُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ؛ مِنَ الْعَادَةِ أَوِ التَّمْيِيزِ أَوْ غَيْرِهَا.
وَثَالِثُهَا: أَنْ يَلْتَبِسَ الْأَمْرُ وَيَشْتَبِهَ؛ كَمَا سَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا الَّذِي يَشْتَبِهُ عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّ بَعْضَهُ حَيْضٌ وَبَعْضَهُ اسْتِحَاضَةٌ، وَقَدِ اخْتَلَطَ هَذَا بِهَذَا، وَمِنْهُ مَا لَا يُدْرَى أَدَمُ حَيْضٍ هُوَ أَمْ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ، فَصَارَتِ الدِّمَاءُ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: مِنْهَا مَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ، وَمِنْهَا مَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ، وَمِنْهَا مَا يُشَكُّ فِيهِ، فَمَتَى عَبَرَ الدَّمُ فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ يَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَاتِ؛ كَالْمُعْتَادَةِ ثَبَتَ فِي حَقِّهَا حُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ - وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي قَدِيمًا - لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُرْجَى انْكِشَافُ حَالِهَا قَرِيبًا بِحُدُوثِ عَادَةٍ لَهَا، فَتَجْلِسُ عَلَى قَوْلِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ عَلَى قَوْلِنَا: لَا

الصفحة 488