كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

السُّتْرَةَ، وَالْمُصَلِّيَ بِالنَّجَاسَةِ إِذَا قَدَرَ عَلَى إِزَالَتِهَا فِي الصَّلَاةِ، لَا سِيَّمَا وَهُنَا مُبْطِلَانِ: بُطْلَانُ طَهَارَةِ الْحَدَثِ، وَحَمْلُ النَّجَاسَةِ. وَإِذَا خَرَجَ وَتَطَهَّرَ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ، وَقَدْ خَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يَبْنِي، كَمَا خَرَّجَهُ فِي التَّيَمُّمِ، ثُمَّ إِذَا انْقَطَعَ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ انْقِطَاعٌ مُتَّسِعٌ أَوْ غَيْرُ مُتَّسِعٍ - لَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِ الْوُضُوءِ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ الَّذِي يُوجِبُ الطَّهَارَةَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ لِاحْتِمَالِ دَوَامِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ، وَلَيْسَتْ هُنَا طَهَارَةً مُتَيَقَّنَةً؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ وُجِدَ بَعْدَهَا، وَالْمُسَوِّغُ الصَّلَاةَ مَعَهُ وَهُوَ دَوَامُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْمُتَيَمِّمَ إِذَا شَكَّ فِي عَدَمِ الْمَاءِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ، فَإِنْ خَافَ وَصَلَّى وَاتَّسَعَ الِانْقِطَاعُ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ صَلَاتِهِ لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعِ الِانْقِطَاعُ فَالطَّهَارَةُ بِحَالِهَا، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا وَقَعَتْ بِطَهَارَةٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْمُخَالَفَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ وَإِنْ أَصَابَ، كَمَنْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَصَلَّى ثُمَّ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَمَاسِحُ الْخُفِّ إِذَا شَكَّ فِي انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ تَبَيَّنَ بَقَاؤُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَةِ بِلَا اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ أَوْ أَفْتَى الْمُفْتِي أَوْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ شَهِدَ الشَّاهِدُ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ، وَإِنْ كَانَ الِانْقِطَاعُ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَهَا بِمُجَرَّدِهِ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا مُنِعَ مَنِ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ مَعَهُ، فَإِنْ أَتَمَّهَا وَاتَّسَعَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَهَا، وَإِلَّا خُرِّجَ فِيهَا الْوَجْهَانِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُتِمُّهَا هُنَا لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ مُتَّسِعًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ضَيِّقًا، فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ الْمُتَيَقَّنَةُ، كَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا طَلَعَ عَلَيْهِ رَكْبٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَعَهُمْ مَاءً، وَلَوْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعٍ ضَيِّقٍ، فَاتَّسَعَ الِانْقِطَاعُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ عَرَضَ الِانْقِطَاعُ الْمُتَّسِعُ ابْتِدَاءً، لَكِنْ إِذَا تَطَهَّرَتْ هُنَا كَانَتِ الطَّهَارَةُ صَحِيحَةً فِي نَفْسِهَا، فَلَوْ لَبِسَتْ عَلَيْهَا خُفًّا كَانَتْ قَدْ لَبِسَتْهُ عَلَى طَهَارَةٍ صَحِيحَةٍ، حَتَّى لَوْ عَادَ الدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ انْقَطَعَ انْقِطَاعًا مُتَّسِعًا كَانَ لَهَا الْمَسْحُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَى الدَّمُ قَبْلَ اللُّبْسِ ثُمَّ انْقَطَعَ الِانْقِطَاعَ الْمُعْتَبَرُ، فَإِنَّا نَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مَلْبُوسٌ عَلَى حَدَثٍ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا عَرَضَ الِانْقِطَاعُ، فَأَمَّا إِنْ كَثُرَ الِانْقِطَاعُ وَاخْتَلَفَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ

الصفحة 496