كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة

وَقَدْرٌ مَعْلُومٌ يُبْنَى عَلَيْهِ، فَيَصِيرُ مِثْلَ الْعَادَةِ، بَلْ تَقَدَّمَ تَارَةً وَتَأَخَّرَ أُخْرَى، وَضَاقَ مَرَّةً وَاتَّسَعَ أُخْرَى، وَوُجِدَ مَرَّةً، وَعُدِمَ أُخْرَى، فَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَّا أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ مَعَهُ وَلَا الْمُضِيِّ فِيهَا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُتَّسِعٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَلْغَتِ الِانْقِطَاعَيْنِ مِنَ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، فَلَيْسَ إِلْحَاقُهُ بِأَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، وَلِأَنَّ الِانْقِطَاعَ الضَّيِّقَ قَدْ صَارَ عَادَةً، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تَعْدُ غَيْرَهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الِانْقِطَاعَ لَا يُبْطِلُ مُطْلَقًا، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ وَيُوَقِّتُونَ بِوَقْتٍ يَقُولُونَ: إِذَا تَوَضَّأَتْ لِلصَّلَاةِ وَقَدِ انْقَطَعَ الدَّمُ ثُمَّ سَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ - تُعِيدُ الْوُضُوءَ، وَيَقُولُونَ: إِذَا كَانَ الدَّمُ سَائِلًا فَتَوَضَّأَتْ ثُمَّ انْقَطَعَ الدَّمُ - قَوْلًا آخَرَ، قَالَ: " لَسْتُ أَنْظُرُ فِي انْقِطَاعِهِ حِينَ تَوَضَّأَتْ سَالَ الدَّمُ أَمْ لَمْ يَسِلْ، إِنَّمَا آمُرُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَتُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ النَّافِلَةَ وَالْفَائِتَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى ". فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الِانْقِطَاعَ حِينَ الْوُضُوءِ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ طَوِيلِهِ وَقَصِيرِهِ، وَأَنَّهُ سَالَ بَعْدَهُ دَمٌ أَوْ لَمْ يَسِلْ.
وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ طَوِيلًا فَتَوَضَّأَتْ فِيهِ وَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى سَالَ الدَّمُ فَطَهَارَتُهَا بَاقِيَةٌ، وَإِنِ اتَّسَعَ الِانْقِطَاعُ - وَأَنَّ السَّائِلَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، سَوَاءٌ انْقَطَعَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُضُوئِهَا، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَوْ هُوَ سَائِلٌ، وَلَوْ كَانَ الِانْقِطَاعُ قَدْ نَقَضَ الطَّهَارَةَ الْمَاضِيَةَ لَكَانَ الْوُضُوءُ فِيهِ وَاجِبًا بِخِلَافِ السَّيَلَانِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي

الصفحة 497