كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة
الْمَائِدَةِ الَّتِي فُرِضَ فِيهَا التَّيَمُّمُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، فَإِنَّ قِصَّةَ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا نَجَاسَةُ الْخَبَثِ فَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ تُزَالَ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ يُزِيلُ كَالْخَلِّ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ زَوَالُ النَّجَاسَةِ، وَلِذَلِكَ يَحْصُلُ بِصَوْبِ الْغَمَامِ وَبِفِعْلِ الْمَجْنُونِ وَبِدُونِ النِّيَّةِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْمَاءِ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي دَمِ الْحَيْضِ، وَغَسْلِ آنِيَةِ الْمَجُوسِ، وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَعَبُّدًا فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَلِأَنَّ الْمَاءَ أَلْطَفُ وَأَنْفَذُ فِي الْأَعْمَاقِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي نَفْسِهِ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ يَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ مَخْلُوقٌ لِلطَّهَارَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَائِعَاتِ، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ لِلْأَكْلِ وَلِلدِّهَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَعَمُّهَا وُجُودًا وَهُوَ طَهُورٌ يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَتَنَجَّسُ فِي وُرُودِهِ عَلَيْهَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا فَلَا يَجُوزُ إِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ.
[مَسْأَلَةٌ إذا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ كَانَ جَارِيًا لم ينجسه شيء]
مَسْأَلَةٌ:
" فَإِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ كَانَ جَارِيًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ يَتَنَجَّسُ بِمُخَالَطَتِهِ النَّجَاسَةَ ".
أَمَّا الْمَاءُ الدَّائِمُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ إِذَا كَانَ كَثِيرًا إِلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ طَعْمُ النَّجَاسَةِ أَوْ لَوْنُهَا أَوْ رِيحُهَا وَأَنَّ الْقَلِيلَ يُنَجَّسُ
الصفحة 62
622