كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الطهارة
رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ الْخَمْسَةُ. وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ " لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، فَلَوْ كَانَ الْقَلِيلُ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ وَلَا يَتَنَجَّسُ لَمْ يَكُنْ لِتَقْدِيرِهِ فَائِدَةٌ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ الِاغْتِسَالِ مِنْهُ، وَنَهَى عَنِ اغْتِسَالِ الْجُنُبِ فِيهِ، وَأَمَرَ الْمُسْتَيْقِظَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ أَلَّا يَغْمِسَ يَدَهُ فِيهِ، وَأَمَرَ بِإِرَاقَةِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ فِيهِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَلِأَنَّهُ لِقِلَّتِهِ قَدْ تَبْقَى النَّجَاسَةُ فِيهِ غَيْرَ مُسْتَهْلَكَةٍ فَيُفْضِي اسْتِعْمَالُهُ إِلَى اسْتِعْمَالِهَا، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ " يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَاتَ الْمَاءِ لَا تَنْقَلِبُ نَجِسَةً بِالْمُلَاقَاةِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَائِعَاتِ حَيْثُ تَنْقَلِبُ نَجِسَةً بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهَا لِأَنَّهُ طَهُورٌ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ فَنَفْسُهُ أَوْلَى، فَأَمَّا إِذَا تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ فَإِنَّمَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الثَّوْبِ الْمُلَطَّخِ بِالدَّمِ وَالْبَوْلِ، فَإِذَا زَالَ التَّغَيُّرُ كَانَ كَزَوَالِ النَّجَاسَةِ عَنِ الثَّوْبِ، وَلِهَذَا السَّبَبِ كَانَ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ غَيْرَ الْمَاءِ
الصفحة 64
622